مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

عضو مجلس الشعب جويدة ثلجة : إشكالية العقل

الثلاثاء, 7 أيار, 2024


انطلاقا من تعريف العقل بأنه مزيج من القدرات المعرفية التي توفر الوعي والإدراك والتفكير والحكم لدى البشر، وربما أشكال الحياة الأخرى.. يمكن طرح السؤال التالي: هل بتطور القدرات المعرفية يتطور التفكير والوعي؟ وهل يتغير الحكم السابق لدى الأفراد إلى حكم جديد لاحق أكثر حكمة من ذي قبل؟ وماذا عن أشكال الحياة الأخرى؟

وهل حكم اليوم على أي أمر أو موضوع أو مشكلة سيكون مختلفاً في المستقبل؟ وهل العقل يتطور بفعل العوامل المحيطة والتطور المكتسب أم يأتي متطوراً بفعل الجينات الوراثية؟

العقل في اللغة هو ضد الجهل أو نقيض الجهل، أما عند الفلاسفة فهناك آراء متعددة سأذكر بعضاً منها:

العقل عند سقراط لا يموت مع موت الإنسان بل يبقى حتى بعد الموت،

والعقل عند أرسطو، الذي يُعد من أبرز الفلاسفة القدماء الذين تناولوا مسألة العقل: "هو ذلك الجزء من الروح الذي يمتاز بقدرته على المعرفة والفهم"؛ أي العقل من وجهة نظره يعرف ويفهم، واتفق أرسطو مع الرأي القائل بأن العقل كيان مستقل عن البدن.

أما أفلاطون فقد اعتبر أن للعقل طبيعة عقلانية وهو قادر على أن يقود الجسد إلى الحقيقة

أما عالم اللاهوت والفيلسوف كانتر برى انسليم : فقد اعتبر أن العقل هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى المعرفة كما اعتبره سبيلاً للإيمان.

والسؤال الذي يمكن طرحه هو: لو كان العقل جزءاً من الروح فهو بذلك طبيعة لا مادية، إذاً أين يوجد ذلك العقل ذو الطبيعة اللا مادية، وإن كان ذا طبيعة مادية، كما رآه أفلاطون، فأين يتواجد أيضا؟

فما هو العقل إذاً وما هي الطبيعة الحقيقية التي ينتمي اليها؟

يرى فلاسفة العصر الحديث مثل باروخ سبينوزا بأن العقل يفكر ولا يتحرك، أما الجسد فيتحرك ولا يفكر.

واعتبر جان جاك روسو أن العقل يحتاج إلى تهذيب كما الجسد!!

وإذا نظرنا إلى ما قاله العلماء عن اكتشافاتهم التي عرفوا من خلالها المناطق المسؤولة عن السمع والبصر والكلام... دون أن يعرفوا بالضبط أين مركز الحب والإيمان والضمير.

إذاً أين يقع مركز الحب والإيمان والضمير؟ فإن لم يكن في العقل فأين يكون؟

لنذهب معاً ونرى ماذا قالت الديانات التوحيدية عن العقل:

في سفر الأمثال: "مجد الله كمجد الكلمة ومجد الملوك فحص الكلمة" ومن هنا نرى أنه من المستحيل أن يكون هناك صراع أو منافسة بين العقل والإيمان، فالواحد يندمج في الآخر ولكل منهما حيزه الخاص، والله والإنسان، كلٌّ في عالمه الخاص، مرتبطان بعلاقه فريدة، الله مصدر الأشياء كلها وفيه يكتمل السر وهذا هو مجده.

وقد حث القرآن الكريم الإنسان على إعمال عقله وفكره في مجمل ما يخاطبه به من معارف وأحكام، ولم يذكر القرآن العقل إلا في مقام المدح وجعل عدم إعماله سبباً في دخول جهنم.

" وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " (الملك: آيه 10)

ورد في الإنجيل المقدس: "فَانْتَبِهُوا تَمَاماً إِذَنْ كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِتَدْقِيقٍ، لَا سُلُوكَ الْجُهَلاءِ بَلْ سُلُوكَ الْعُقَلاءِ، مُسْتَغِلِّينَ الْوَقْتَ أَحْسَنَ اسْتِغْلالٍ، لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ" أَفَسُسَ ٥:‏١٥-‏١٦

وورد أيضا " فَإِنَّ مَا لَا يُرَى مِنْ أُمُورِ اللهِ، أَيْ قُدْرَتَهُ الأَزَلِيَّةَ وَأُلُوهَتَهُ، ظَاهِرٌ لِلْعِيَانِ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ، إِذْ تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ مِنْ خِلالِ الْمَخْلُوقَاتِ. حَتَّى إِنَّ النَّاسَ بَاتُوا بِلا عُذْرٍ "

 مما سبق يجب أن نعرف ما هو دور العقل وأهميته في حياة الإنسان؟ ومن هو الإنسان العاقل؟

من تعريفه نرى أن العقل هو ما يجعلنا نميز بين الخطأ والصواب.

والإنسان العاقل هو الإنسان الذي يستطيع أن يميز بين الصواب والحق أو العكس، لأن العقل يزود الإنسان بالأسباب والأدوات التي تؤدي إلى الإدراك وتحليل القضايا واختيار ما هو صحيح منها.

نستنتج إذاً أن الإنسان العاقل يمتاز بالنسبية، فما هو مقبول في مجتمع مرفوض في آخر، فهل العقل لديه علم في الأمور الغيبية كالعلم بالملائكة مثلاً أو بالشياطين؟ هل المعارف التي وصلت له عنها معقولة أم منقولة؟ هل رأى أحد الملائكة؟ هل رأى أحد الشيطان؟ إذاً فكل المعارف التي وصلت إليه منقولة.

أما رأي ابن حزم عن إشكالية العقل والنقل، حيث تحدث في الظروف والعوامل التاريخية التي كانت سبباً لدخول بعض الأخطاء والتناقضات إلى كتب النصرانية قبل الاضطهاد الشديد الذي حلّ بالنصارى الأوائل، وعدم وجود دولة لحماية الدين الجديد، ودخول أفواج من أتباع الديانة المانوية إلى النصرانية، إلا أنه اعتبر الظروف السياسية والعوامل التاريخية في قراءة النصوص الإسلامية يعد تشككاً وانحرافاً عن الدين قائلاً: ليست السنة بذاتها محل نقد أو اختلاف وإنما ما ينسب إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من أقوال وأفعال لا تنسجم ولا تتفق مع مجمل النصوص والنقول، أو تخالف مقاصد الشريعة وبدهيات العقول، فالقرآن يخبرنا أن التناقض ممتنع في النقول الموحاة من الله " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا " النساء آية 82

وإن الاغترار بصمدية الرواية والمنقولات الظنية هو سقوط في "إثنية النقل".

فمن لم يكن من ذوي العقول لم تنفعه النقول، فالإنسان هو المستخلف في هذا الكون: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة آية30) وكل المعارف التي تخص هذا الكون المخلوق هي من اختصاصه ويمكن لعقله أن يدركها.

والآن ومن خلال ما قرأنا نرى أن العقل الإنساني يتسع باتساع معارفه، كيف لا وهو المخلوق على صورة الله

ومن خلال ما قرأنا من آراء الفلاسفة وما ورد في كتب التوحيد من أهمية كبرى للعقل وما قاله العلماء، أرى أن الإنسان المخلوق بالصورة المثلى قد حباه المكون العظيم بالعقل كي يبقى متصلاً به من خلال العقل الكوني، فتلك النعمة ليست فقط موجودة في الدماغ الكائن في الجمجمة؛ بل في كل خلية حية موجودة في ذلك الجسم الطاقي فكلما كان نقياً خالياً من الشوائب استطاع أن يتواصل مع العقل الكوني ويأخذ منه ليعمل على تطوير نفسه وتطوير كل محيطه، فالعقل غير محصور في الجمجمة، فلو كان محصوراً وذا محدودية لما كان لدينا علماء وفلاسفة ومفكرون ولا باحثون، هؤلاء الذين أعملوا عقولهم وتفكروا وأيقظوا العقل ونقلوه من حالة الراحة والسكون إلى حالة الحركة اللا محدودة؛ والتي تنتفي بها الحدود، فبدأ بالطواف، فهذا الجزء تواق للاتصال بالكل ليستقي منه المعارف الكونية.



عدد المشاهدات: 97

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى