مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الدكتور نبيل طعمة يكتب : البشرية إلى تضاؤل

الأربعاء, 24 تموز, 2024


تبيد وجودها ليظهر مستقبلها، رغم ما نشاهده من تطور آيل إلى المجهول، لأنها تظلم نفسها وتجلد ذاتها، وببساطة ووضوح وتسارع، هذا التطور لا يوازيه أي تدابير استباقية تراقبه أو تنظمه، أو تحد من هجماته المباشرة أو غير المباشرة على كامل مكونات الحياة الحية؛ وحتى الجامدة، وأيضاً تظهره لنا بأنه تطور منفلت لا يمتلك القيم ولا تزجره الأخلاق، نراه يتقدم بسرعة فائقة للهيمنة على كل الموجودات لمصلحة فئة قليلة؛ بل نادرة، من هذا الكم البشري الذي اعترف بأنه غدا هائلاً ومرعباً ومادياً غايته المال، صحيح، أولاً وأخيراً، أن العلم فكرة مركزية وأن امتلاك أسسه والدخول إلى نواصي تخصصاته لا يعتبر وسيلة  تنمية فقط أو مواكبة للحضارة الحديثة فقط؛ إنما هو بذاته ظاهرة حضارية، وأكثر من ذلك إنه الحضارة ذاتها، على اعتبار أن أي تخصص في محور منه هو خلق وتعبير بعد امتلاك نواصيه، كما أنه ضرورة روحية للإنسان وقيمة هامة لوجوده، وإني هنا لاعتبره في أصدق تعبيراته وأسماها "وعياً" واتجاهاً حقيقياً لتطور الفكر الإنساني، لذا فإن ما بدأت به يولد أسئلة هامة حول معنى عنواني الذي أخط تحته ما يريد الجميع الوصول إليه والإجابة عنه.

والإجابة عنه تكون من المسؤول عن وصول البشرية إلى هذه الحالة التي تقف عند الدرجة الحرجة، وعلى حافة الهاوية، هل هي حالة فقدان الوعي الناتج عن حدوث متلازمة العمى الجماعي للنخب السياسية التي تستند إلى المثقفين التكتيكيين الذين أخذوا على كواهلهم استخدام مخرجات العلم وتحويلها إلى أدوات قتل وإبادة، بكل ما تعنيه هذه الكلمات، مع التدمير الممنهج لكل شيء تحت مظلة التأثيرات الواضحة والجلية ومؤثراته المحيطة، والتي لم تعد محتملة، بل واقعية، وأقصد طبعاً الذكاء الصنعي على واقع ومستقبل البشرية ووجودها، بعد أن اقتحمت وسائطه التي تتقدم وتخترق العقل البشري ومجالات حياته، حيث أصبحت تطبيقاته ضرورة لا مفر منها، مختزلة الزمن الماضي في الحاضر، والحاضر في المستقبل، وقد أسست جزءاً لا يتجزأ من كل الدوائر المختصة بالحضور البشري( الصناعة والزراعة والتجارة والأمن والدفاع والصحة والتعليم والثقافة والإعلام بصنوفه) وغدا الكل متعلقاً بشكل كبير بخوارزميات متطورة تعينها على التعامل مع تحديات معقدة، ظاهرها مفيد في المناخ والطب واستكشاف الموارد، وباطنها يخلف البطالة والعطالة والفقر والبؤس واختلاط المجتمعات وفقدان التصنيفات وعدم القدرة على الفصل بين المدني والعسكري والأمني، ورجل الدين عن المثقف والمفكر، وكذلك بين المتعلم والعالم أو بين التلميذ والأستاذ، الكل انصهر في الكل، والكل يبحث عن وجوده في وجوده، مما هيأ الظروف لانفلات المجتمعات وظهور مراحل اللا عودة، والذهاب في رحلة إفناء البشرية لبعضها عبر إحداث معارك خفيه هدفها السيطرة على الرأي العام البشري وتحويله إلى مستهلك يستهلك كل شيء بما فيه وجوده.

إن نماذج العمل الحديث موجهة بشكل خبيث لتعظيم الربح على حساب الجودة والمواصفات والمكونات، فالغش يغزو كل أنواع الغذاء والكساء والأدوات، ويجري إنقاص العمر الفني أو الصلاحية لأي شيء، وهذه وحدها كافية لتعميم الاضطراب، لأن عملية انتاج الجودة تمنح للحياة حضوراً وعكسها يعني استهلاكها، وهذا كله من أهم مخرجات التطور التكنولوجي الذي يخرج من ثنايا الذكاء الاصطناعي.

 دققوا في أفكار ومخططات أصحاب نظرية المليار الذهبي وأهمهم " توماس روبرت مالتوس" ونظريته المالتوسيه التي صاغها عام 1798 التي تهدف إلى تقليص عدد سكان العالم إلى مليار شخص، واستخدام كل الأساليب للوصول إلى هذه الغاية، من الحروب إلى الأمراض إلى الهندسة الوراثية، وهؤلاء يرون أن موارد الأرض لم تعد قادرة على تلبية حاجات البشرية، باختصار هذا المشروع جار تنفيذه، ومن خلاله ستكون الحياة للأقوى، وقد استندت أيضاً في مادتي هذه إلى الفيلسوف " غونتر أندريس" الذي حذر مبكراً من غول التكنولوجيا الآنية والقادمة، حيث قال:( إن البشرية خلقت الظروف المناسبة لإبادة نفسها) عاش هذا الفيلسوف من 1902 – 1992.

الذكاء الاصطناعي ومخرجاته أخذت تؤثر في أفكارنا وتدير نقاشاتنا وتسيطر على مشاعرنا وتجردنا من إنسانيتنا وتعزلنا عن بعضنا وتدخلنا في عبوديتها، رغم أن ظاهرها حرية مطلقة وحقوقاً شخصية، وهذا ما يجعل الأبصار والعقول تشيح عن الفكرة القائلة بأن العالم الذاهب إلى الانقراض ونهاياته غير متوقعة.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 41

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى