د. نبيل طعمة ضيف هوى الشام الاثنين, 13 أيار, 2024 الباحث الدكتور نبيل طعمة يهتم في الفكر الفلسفي والفكر الواقعي الذي
ما معنى الفلسفة سابقاً وما معناها اليوم، وكيف يتم التعامل معها؟ الفلسفة جوهر العلوم، والدخول إلى مفاهيمها قديماً أدى إلى تأسيس قواعد التطور في صنوف العلوم الإنسانية، فالآداب “الجغرافيا التاريخ” أولاً، والرياضيات والفيزياء والكيمياء ثانياً، ومعنى أنها جوهر العلوم يكمن في دخول الباحث رويداً رويداً للوصول إلى قواعد ما يبحث عنه، وبذلك يكون قد امتلك تخصصاً يجمع العلم إلى الفهم، هذا المنظور الفلسفي قدم للحياة الإنسانية فهم الكون فأنتج الروحانيات والعلاقة بين الكلي والنسبي؛ أي العلاقة العمودية والأفقية، وقد اهتمت الفلسفة بشكل خاص بالعلاقة الأفقية كونها العلاقة المنتجة، والإنسان هو العمودي المتحرك أفقياً بين كافة المخلوقات، لماذا؟ كي يقودها من خلال تحليل أسس قيادتها، ويصنعها بعد إدراكه لماهيتها، ويعالجها من باب ما ينقصها، فهمت الفلسفة منظومة الآلهه وضرورات تواجدها في الذات الإنسانية، واختلفت مع مديريها من باب أنها تقوم على الشك الذي لا يكون من أجل الشك؛ إنما بغاية الوصول إلى اليقين، لأنها توجد النظرية والفرضية وتؤمن بالتجربة ومكوناتها وتفرز الصح من الخطأ، إذاً لديها دائماً نتيجة تحدث الاختلاف المؤدي إلى التطور، بينما بقيت الروحانيات تتمسك بمبدأ التسليم والخضوع، وهذا ما دفع بالصراع إلى الواجهة بين مديري الأديان والفلاسفة، حدث هذا إبان عصر النهضة الذي قام من بين ركام عصر الظلمات في القرون الوسطى، فالفلسفة ولدت وتطورت، من خلال بناء الإنسان على البحث والتقصي، تطوراً هائلاً تجسد، وما زال، يجسد التطور عبر الثورات الصناعية الأولى والثانية، والثورات التكنولوجية (الاتصالات والفضاء)، وهناك شعوب استفادت من الفلسفة بقوة، فأخذت من خلالها تحكم العالم، وهناك شعوب بقيت مستسلمة مسلّمة تمتعت بالروحانيات والعواطف وغدت، بشكل أو بآخر، تابعة لا حول لها ولا قوة، ومازالت تحارب الشك العلمي وتتمسك بالتسليم الفطري. أختم إجابتي على سؤالك بأن الشعوب التي لا تعتمد الفلسفة في بنائها الفكري شعوب متأخرة ومتخلفة، تأخذ بالقشور ويغريها البريق دون إدراك معاني ما يحدث. ماذا تريد أن تقول من خلال موسوعتك “فلسفة التكوين الفكري” التي ما زلت حتى اللحظة تعمل عليها والتي بلغت حتى الآن، عشرين جزءاً؟ اخترت هذا العنوان لأن الفكر العربي والإسلامي مازال فوضوياً لم يعتمد أسس التطور، ولم ينجز حتى اللحظة شخصية فلسفية علمية مؤثرة، إنما أنتج شخصيات فكرية دينية، وهناك فارق كبير بين عالم الفلسفة والعالم المبدع والشخصية الدينية المتخصصة في الدين، فالفلسفة في عنواني تعني البحث للوصول إلى الجوهر؛ أي أني أدعو إلى إعمال العقل من أجل الإبداع، أديسون عالم اخترع الكهرباء وأينشتاين اخترع النسبية وكذلك نيوتن عالم، والسلسلة تطول ولا تنتهي، ولا يمكن لنا أن نطلق اسم عالم على رجل الدين لأن العالم يفيد البشرية جمعاء دون أي استثناء، والتكوين؛ أي الترتيب الفكري، هام جداً، فالفكر كمنزل أو مكتبة او مصنع أو بستان، إن لم يكن مرتباً ومهذباً وممتلئاً لا يمكن له أن ينتج، الإنسان احتاج بدءاً فاخترع بدءاً، وتفسير قولي هذا أن الكون نتاج البحث المتواصل والمتعمق وصل في عمره إلى أربعة عشر مليار عام ونيف، وهنا اعتبرت نقطة الانطلاق الأولى، وأنا أقول: ماذا كان قبله؟ وأكرر أن الإنسان احتاج بدءاً فاخترعه، ومن هذا البدء أردت ان أقدم أفكاراً تعيد ترتيب بناء الفكر الإنساني العربي، وأخص منه الإسلامي، الذي آمن بالتسليم المفرط ولم يؤمن بالفلسفة التي أنجبت العلمانية وأنا أُؤسس الآن لمذهب فكري أطلق عليه العلمانية المؤمنة، وسأقدمها في كتابي القادم قريباً، هذه التي تعني دمج الإيمان بالمادة. ألا ترى أن هناك غياباً لثقافة الفلسفة في الحاضر، ما السبب برأيك؟ مؤكد أن المسكون في العقل العربي الإسلامي أكبر مما يقدم إليه، لذلك هناك حرب خفية على الفلسفة القائمة على الشك، وسواد العقل العربي الإسلامي قائم على التسليم، ومن يخترق التسليم يزندق أو يهرطق أو يكفّر، والسبب أننا مازلنا هائمين في البحث عن منهج، هل نأخذ بالعلمي العلماني أم نأخذ بالديني ومذاهبه التي ينتمي إليها سواد المسلمين، فكيف يجمعون هذا إلى ذاك، هنا تكمن المعضلة، مع أن نظرية تقوم على التمسك بالشك، الذي لا يكون من أجل الشك، هو مقتل للإنسان إن دخل دوامته، إنما من أجل الوصول إلى اليقين، وبهذا أؤكد أن الإيمان يغدو مطلقاً ولا لبس فيه، نحن لم نصل بعد إلى مفاهيم الثقافة التي هي فلسفة، والفلسفة شخصية وهوية وانتماء. برأيك لوكان هناك اهتمام بالفلسفة، أليس ذلك أمراً إيجابياً اليوم؟ سواد الأمم نهجت سبل الفلسفة واستقت الكثير من مفاهيمها فأدركت التطور، وبالحد الأدنى، وضعت أقداماً على سلالم النجاح، فكثير من الديانات الوضعية والتوحيدية التي طورت ذاتها، باعتمادها على الفلسفة في بناء أجيالها، لم تتخلّ عن إيمانها بما تعتقد لأنها تعتبره ضرورة في الروح الإنسانية، ذهبت إلى العقل مطورة إياه، وها هي الآن تصل لاعتماد بناء الذكاء الصنعي، أين هي الآن، وأين نحن في الأمة العربية الإسلامية؟ إذ مازال سوادنا يعتمد النقل ويستند إلى الاعتراض، ويتمسك بالنقد المؤخّر لا المطور، ومن هنا أوجه دعوة لإدخال أسس الفلسفة في التربية والتعليم وبناء التفكير الفلسفي؛ أي السماح للأطفال بطرح الأسئلة أياً كان نوعها، وأن نجيبهم بالفلسفة المبسطة، ما من طفل تخيفه بالإله إلا وتبني به الخوف بدلاُ من الحب، الطفل يسأل: أين الله؟ من هو الله؟ كيف نجيبه، سؤال يجب أن يُجاب عليه كي ننهي الخوف ونزرع الحب، وهنا تكون الانطلاقة الأولى التي تهتم بالفلسفة. ما رأي الباحث نبيل طعمة بثقافة اليوم بشكل عام…. وبالبحوث بشكل خاص؟ ثقافة اليوم إشكالية، فهي ليست مظاهر كالمعارض ودور السينما والمسرح والاحتفالات؛ أي ليست هوية خفية تنعكس في نتائجها لترسم صورة ثقافية، عندما نقف أمام لوحة فنية، هل نستطيع أن نرى خلفها رسامها، أو نحلل ما أراد أن يصل به إلينا، أم نكتفي بأنها جميلة دون فهم لمعناها، إذاً الثقافة معنى وأداء وانتماء، والأداء يُظهر كمية الانتماء، ونجاحه يعني أنه يمتلك ثقافة فكرية وفنية وروحية، بالتأكيد هنا الثقافة فلسفة. أما عن البحوث التي ينتجها معظم المنتمين للبحث فلم يصلوا حتى اللحظة إلى البحث الإنتاجي المنجب، لأن ثقافتنا تائهة، وكما أسلفت في أجوبتي السابقة إما ناقلة أو ناقدة أو معترضة، فالبحث يعني أن تصل إلى عمق المصدر أو المنبع أو البداية، وأن تنتج، من هذا المسير إلى الأعماق، منتجاً جديداً خلاقاً، وسواد ثقافتنا سابحة على السطح، الكثرة تعرف السباحة لكنها لا تجيد الغوص، وفي الغوص تظهر لك الحقائق وترى الجمال، فتغدو جميلاً في منتجك وحضورك وتمتلك شخصية فكرية ثقافية وبحثية. هل تؤدي الثقافة دوراً إيجابياً بما يدور؟ الثقافة مجموعة إنسان، والإنسان أنيس وأنس، وبما أننا مجتمع متعدد الانتماءات الروحية والمناطقية فلكل عاداته وتقاليده، ومجموع هذه العادات والتقاليد يطلق عليه ثقافة، هل استطعنا أن نوحد هذه الانتماءات في الثقافة الوطنية الحقيقية ونطلق أن لدينا ثقافة جامعة مانعة، أم أننا مازلنا نتمتع بثقافة مظهرية لا جوهرية؟. ماذا تقول للمثقف الحقيقي في ظل غيابه؟ المثقف الحقيقي قليل الثقافة، ليست عناوين “مانشيتات” وفي غمرة الثقافة الفوضوية المثقف الحقيقي بعيد، واقترابه مركّب وصعب، في ظل انتشار ثقافة السباحة لا ثقافة الغوص، وما أكثرهم.. أشكركم على الجهد المبذول وتجشمكم عناء حواري وأجوبتي، وعلى الفرصة التي أتيحت لي من خلالكم. شكرا لك الدكتور الباحث نبيل طعمة |
|