مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الدكتور نبيل طعمة يكتب :الإنسانية تتسول

الأربعاء, 12 حزيران, 2024


سلام مفقود، عالم مضطرب، شعوب مقهورة، تكوين مجموعات إنسانية، تمتلك قيم ومبادئ متوافرة، يبدو من الصعوبة بمكان، وسواد البشرية تتجاهلها، كيف يمكننا الخروج من هذه المتاهات؟ من يملك الحل فليتفضل ويطرحه بعيداً عن المثالية، نحن الآن بحاجة إلى الواقعية، رغم أنها تتحدث أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، الكل متمترس خلف معتقداته، الرأسمالية تحتاج إلى ضد يوقف جشعها، وهذا الضد انتهى إلى حد كبير، بفضل القوى المادية، الأديان تدعمها بقوة والسبب أنها ترتكز إليها، السياسة صعب جداً أن تطالها لأنها تستفيد من كل النقائض، وفي الوقت ذاته تلعب على أوتارها.

العقل البشري أبدع أكثر مما يمكن تخيله؛ بدءاً من الإله إلى الرصاصة، والغالبية العظمى تركت الإله وذهبت إلى الرصاص، فمن يقتل الإنسان إنسان ومن يسرق وينهب ويتلاعب ويغش ويكذب هو إنسان أيضاً، ومن يغتال الإنسانية، التي تمثل الضعف في جوهره، هو إنسان، رغم أنه يقف في المحراب وأمام الهيكل ويدخل المعبد نظيف الجسد معطراً، إلا أنه سرعان ما يعود إلى عقله الذي يأخذ به إلى نظرية تقسيم المجتمع الواحد وإلى انتشار العداوة، مستنداً إليها وآخذاً بأن لا للتسامح بل إلى الحرب، هارباً من السلام.

الإنسانية تتسول على أبواب الساسة والاقتصاديين؛ وحتى المفكرين والاجتماعيين، يداهنونها ويدغدغون قيمها ومبادئها، وهم في الحقيقة يعملون على تدميرها ومنعها من الحضور، رغم انتشار العمل الخيري الممول والمدعوم من الأقطاب، فمنهم من يعتبره تكفيراً عن الذنوب وبعضه ينفق من فائض الربح، وأيضاً هناك من يعتبره غطاءً ولبوساً لغايات في نفس يعقوب، والمستفيد من ذلك مجاميع إنسانية تعطي الدعاء والثناء مقابل ما تحصل عليه من مكاسب، فهل هذه هي الإنسانية؟ القانون منطق مجرد من العواطف؛ أي أنه صلب، وفي الوقت نفسه منصف وعادل، يقف بين حدود الصح والخطأ، يحكم بحب القوة لا بقوة الحب؛ التي تمنح للحياة إنسانية مذهلة، الخوف هو السائد في زمن يسود فيه مشروع تكاذب خطير.

 الإنسانية اليوم تتسول السلوى من دنيا مضطربة الأحوال، يسعى إنسانها، الباحث عن الطيبة التي خرجت منه، إلى أن يكون مطمئناً، وحُقّ للإنسانية أن تناضل وهي تمر بأحلك وأصعب الظروف، وتحديداً في مجال استعادة مبادئها وقيمها التي بها يتحرر الإنسان من جهل البشرية وأميتها الفكرية، وبها تتحسن أوضاع الشعوب وتُرفع المظالم وتحافظ على الآمال، تدعم السعي، لأن من يسعى ويتيقظ يُنتج، فإذا غادرت تركت إنسانها هائماً بغير حياة.

يجب أن يتحرك الحضور الإنساني اليوم أمام تسول الإنسانية، كونها قضية نبيلة، والإنسان في جوهره مستعد للقضايا الأخلاقية، لأن ربحها يكون وفيراً إذا راهنا على إخلاصه واستعداده لتجاوز ذاته، وإقدامه على التضحية مهما كانت عقيدته، تجد في داخله بعضاً من الآثار الدينية والتاريخية والجمالية التي تعبّر الإنسانية من خلالها عن أعمق مبادئها وأسمى مطامحها، لتلتقي مع الصفات الإنسانية المشتركة فيها، والتي تشكل جزءاً هاماً من التراث الإنساني؛ الذي يحاول الكثرة من البشر تحويله إلى ذاكرة مفقودة.

الإنسانية موجودة في غير الفاعلين ضمن الحياة، في الأطفال مثلاً أو في جزء من الكهول والمرضى، منهم من يصنع لنا البسمات البريئة ومنهم المتعلقون بالإله؛ وهم معرضون بشكل دائم للانتهاك والتهكم والتعدي والتأفف، تغتالهم الحروب المتنوعة وتعرضهم للقهر والجوع والمرض والموت، لذلك تجدهم يتسولون الإنسانية بحب ورجاء وأمل، من كل ذلك نرى أن الإنسانية تجسد فكرة منح الخلود غير القابل للفناء، كونها لا مادية، ولأنها أيضاً تشارك الناس في شعورهم ووجدانهم، تتألم لما يطالهم من حوادث الدهر، وتواسيهم فيما يصيبهم من نوائبه، تنظر في حسناتهم قبل سيئاتهم، فلا تميل إلى التهاون ولا تقف جانب الظلم، فأين نحن اليوم منها كنص، أو حتى من هوامشها، وكيف أصبحنا اليوم نشفق على الإنسانية بدلاً من اعتناق مبادئها والعمل من خلالها.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 143

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى