كلمة الســــيد حموده صباغ رئيس مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية في المؤتمر الثلاثين الطارئ للاتحاد البرلماني العربي
الأحد, 9 شباط, 2020
كلمة الســــيد حموده صباغ
رئيس مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية
في المؤتمر الثلاثين الطارئ للاتحاد البرلماني العربي
المنعقد في عمان – المملكة الأردنية الهاشمية تحت عنوان “دعم ومساندة الأشقاء الفلسطينيين في قضيتهم العادلة قضية العرب والمسلمين”
يوم السبت 8 شباط ٢٠٢٠
معالي السيد المهندس عاطف الطراونة رئيس مجلس النواب في المملكة الأردنية الهاشمية – رئيس الاتحاد البرلماني العربي...
معالي السيدات والسادة رؤساء البرلمانات والمجالس ورؤساء الوفود المحترمين...
سعادة السيد الأمين العام للاتحاد البرلماني العربي...
سعادة السيدات والسادة أعضاء الوفود المحترمين...
الحضور الكريم...
هل هي سرقة القرن أم صفعة القرن أم طعنة القرن؟! لا تهم التسمية...
المهم أن المسروقين المصفوعين المطعونين هم نحن العرب... فالقضية من ألفها إلى يائها قضيتنا، نعيشها ونعيش من أجلها منذ وعد بلفور المشؤوم حتى وعد ترامب الأكثر شؤماً...
إنه استخفاف بنا نحن أبناء هذه الأمة... من آخر بيت على المحيط الأطلسي حتى آخر منزل على الخليج العربي...! هي صفعة لكل منا، لكبيرنا وصغيرنا، لكياننا ولوجودنا...
لا أعتقد أن عربياً واحداً فوجئ بصفعة القرن! إنها مجرد نقطة مستجدة على خط طويل بدأ منذ عقود وغايتها تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وفتح الباب واسعاً أمام مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، شرق تسيطر عليه زعيمة محور الهيمنة في العالم أمريكا، ويكون مركزه الكيان الصهيوني، وضحيته أمة عريقة كبيرة غنية قدمت للحضارة الإنسانية إسهامات عظيمة على أساسها بنى الغرب فكره المعاصر، ومن رحمها استخلص الأوروبيون قواعد حياتهم؛ ديناً وفكراً وفلسفة وعلماً...
إن ما تسمى صفقة القرن هي وصفة للاستسلام للكيان الصهيوني الغاصب، وهي حلقة في إطار المحاولات المستمرة للإدارات الأمريكية المتعاقبة ودولة الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وتجاهل الشرعية الدولية وإجهاض قراراتها بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي.
هل وصلنا مرحلة سؤال هاملت التاريخي: نكون أو لا نكون؟!
يبدو أننا وصلنا إلى هذا السؤال، وهو تحدٍ تاريخي يفرض علينا جميعاً ألا نكتفي بتشخيص الحالة؛ فهي مشخصة وواضحة، علينا أن نبحث مجتمعين عن دواء العلة وطرق الشفاء منها...
علينا تحويل التحدي الخطير إلى فرصة كبيرة؛ فالأمة التي كانت في تاريخها كله مطمعاً لكل قوة حاولت بناء امبراطورية عالمية، هي نفسها الأمة التي كانت تعرف كيف تدافع عن وجودها وبقائها، وإننا متأكدون أن البقاء في هذه المعركة التاريخية هو أيضاً من نصيب العرب... لكن هذا البقاء التاريخي لا يتموضع في الواقع دون جهد مركز أساسه معرفة العلة ومعرفة أدواتها...
ولقد كشفت الخطة الأمريكية الأخيرة مجدداً التحالف العضوي بينها وبين الكيان الصهيوني الغاصب، وأوضحت العداء المستحكم للأمة العربية وقضاياها، وهي تهدف أولاً وأخيراً إلى خدمة "إسرائيل" ومخططاتها التوسعية على حساب الحقوق والمصالح العربية...
السيدات والسادة الأكارم...
إن تحويل التحدي إلى فرصة يقتضي استنباط مكامن القوة في واقعنا اليوم ويمكن أن نبدأ من ظواهر موجودة وواضحة...
أولاً: إن عصر الشعوب بدأ في منطقتنا، وإننا نحن البرلمانيين نمثل هذه الشعوب التي تشكل مجتمعة أمة عريقة وحاضرة في مراحل التاريخ كافة، وعلينا اليوم تقع المسؤولية الأولى في الحوار المثمر لاستنباط طرائق ناجعة وناجحة في التعامل مع هذا التحدي الخطير...
لدينا من الديباجات والتحليلات والأفكار ما يكفي ويفيض... المهم الآن إيجاد الأساليب العملية للمواجهة على الأصعدة جميعها...
ثانياً: في كامل تاريخ القضية الفلسطينية كان خيار المقاومة هو الدواء الوحيد الشافي، وبه استمر الشعب العربي الفلسطيني واقفاً منتفضاً في معركة لا مثيل لها في التاريخ؛ بين شعب أعزل تماماً وقوى عدوانية إرهابية مدججة بكل ما تفتق عنه العقل الشرير من وسائل القتل ووسائط التدمير...
ثالثاً: إن تجربة شعبكم العربي السوري تؤكد من جديد نجاعة هذا الخيار؛ فهذا الشعب العظيم وجيشه الباسل يواجه أخطر تركيز لمجاميع القوة كلها منذ تسع سنوات؛ ففي محاولاتهم اليائسة للقضاء على سورية شعباً ودولةً وجيشاً ومؤسسات حشدوا أنواع الحروب كلها؛ العسكرية والإرهابية والإعلامية والنفسية والدبلوماسية والاقتصادية في إصرار غريب على تحقيق أهدافهم المعادية لسورية وفلسطين وللأمة العربية بكيانها كله...
إن قوة حشدهم تؤكد مدى حقدهم على سورية وفلسطين والعروبة كافة، وفي المقابل إن عظمة التصدي السوري لهذه الحروب مجتمعة يؤكد في عصرنا الحاضر تقاليد الأمة العربية في رفض الذل والهوان، ويثبت عملياً أن النصر الناجز ممكن وليس هناك دافع للخوف الذي يقود للاستسلام.
القضية الفلسطينية تتموضع في جوهر هذه الحروب الكبرى على سورية؛ فلو أن سورية تخلت عن هذه القضية وعن العروبة وانغلقت على نفسها مكتفية بقضايا تطورها الداخلي، لما كانوا مهتمين بحشد كل هذه القوى في محاولاتهم لتدمير سورية وقتل شعبها...
ولقد أكدت سورية على الدوام بلسان قائدها السيد الرئيس بشار الأسد أن فلسطين قضيتنا القومية التي نشأنا وتربينا على الالتزام بها والإخلاص لها وهي بوصلتنا وهي قضيتنا المركزية...
رابعاً: إن تهديد "إسرائيل" بضم الجولان السوري المحتل وغور الأردن وغيرها لا يؤكد عدوانية هذا الكيان فحسب، وإنما يشير إلى أمرين آخرين؛ إنها عدوة العرب جميعاً وأن القضايا العربية واحدة ومتفاعلة، وهذا يؤكد قومية المعركة بكل مضامينها...
خامساً: الطريق باختصار هو تعزيز المقاومة بجميع صيغها حسب أوضاع كل شعب عربي، وتطوير اللقاءات والاتصالات الشعبية العربية، واتخاذ قرارات قابلة للتطبيق يكون لها أثر واضح على الأرض مثل تنظيم الفعاليات المختلفة للتعبير عن الرأي الشعبي العام العربي، والدفاع بقوة عن الأردن الشقيق الذي تحاول "إسرائيل" تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين، والدفاع عن سورية التي تحارب العدوان المركز للصهيونية وأمريكا والناتو وتركيا بهدف إضعاف الصف العربي المقاوم...
سادساً: الأمر الأهم اليوم هو أن نعزز الدعم للشعب العربي الفلسطيني لكي يستمر في المقاومة، وهو الشعب الذي تمرس على مواجهة الصهاينة وأجاد في التصدي لهم؛ إنه شعب جبار يتصدى لأعتى قوى العدوان وللاستعمار الاستيطاني والعنصري والإرهابي عشرات السنين دون كلل أو ملل...
أيها السادة المحترمون... أيها الزملاء والإخوة الأعزاء...
ينبغي أن يكون اجتماعنا اليوم اجتماعاً تاريخياً، بمعنى أن يعكس مفصلية المرحلة ودقتها؛ فما كان قبل إعلان الصفقة هو غير ما سيكون بعد هذا الإعلان...
نحن أمام امتحان كبير عنوانه: " تحويل التحدي إلى فرصة "، وعلينا كبرلمانيين مواجهة هذا الازدراء الأمريكي للشرعية الدولية والتأكيد على قراراتها، ويأتي في المقدمة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وضمان الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف...
وإننا في مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية ومن خلال مؤتمرنا الطارئ هذا نجدد التأكيد على أهمية إيجاد موقف عربي فاعل للتصدي لهذا التمادي الأمريكي الصهيوني السافر على الحقوق العربية والذي يشكل خطراً على حاضر الأمة ومستقبلها؛ فالأمر ينبغي ألا ينتهي هنا، بل لا بد من المتابعة في التواصل والتنسيق... ومطالبة برلمانات العالم ومجالسه والمنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية والمجتمع الدولي كافة بإدانة هذه الصفقة وإبطال مفاعيلها...
وفي الختام: أتوجه بالشكر العميق إلى الأردن الشقيق وإلى مجلس النواب الأردني رئيساً وأعضاء، وأعرب عن امتناني وأعضاء الوفد لحسن الاستقبال والتنظيم والحفاوة وكرم الضيافة...
كما أشكر الأمانة العامة للاتحاد والجهاز الإداري على حسن التنسيق والمتابعة المستمرة...
أحييكم وأحيي جميع السادة الزملاء رؤساء البرلمانات والمجالس ورؤساء وأعضاء الوفود المحترمين، راجياً من الله عز وجل أن تتكلل جهودنا بالنجاح والتوفيق...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عمان في 8/2/2020
رئيـس مجلـس الشـعب
في الجمهورية العربية السورية
حموده صـباغ