محمد خير العكام ضيف الاقتصادية
الثلاثاء, 18 حزيران, 2019
سلّطت الزميلة «الاقتصادية» الضوء على موضوع أزمات تأمين المشتقات النفطية وتقنين الكهرباء وتقلبات سعر الصرف التي تتكرر كل فترة، وسألت كيف يمكن تجنب تكرارها؟
عضو مجلس الشعب والحقوقي الدكتور محمد خير العكام بيّن أنه في الأحوال الاستثنائية كالحروب، تحدث أزمات تأمين المواد والسلع الأساسية للمواطنين ويمكن حدوثها، بشكل متواتر، لذلك يجب على الحكومة أن تضع الإجراءات اللازمة لتجاوز هذه الاختناقات والأزمات، بمعنى أن الإدارة الحكومية بحاجة إلى أن تكون أكثر فاعلية لتتكيف مع الظروف التي فرضتها الحرب، وتضع حلولاً آنية لتجاوز هذه الأزمات، وحلولاً بعيــدة المدى لعدم تكرارها، وهذا ما لم يحدث في ســورية خــلال سنوات الحرب، فالأزمات بحالة تكــرار دائــم، ولأسـباب مشــابهة، وهـذا يـدلّ على ضعــف الإدارة الحكومية فيما يتعلق بوضع الحلــول المناســبة، «مع كـــل التقديــر للجهود المبذولة، وأخذنا بالحسبان ظروف الحــرب القاســية».
وأضاف العكام: «أدت الحرب إلى تدني مستوى الإدارة في سورية، وساهم في ذلك بشكل رئيس هجرة الكفاءات الموجودة في الإدارات الحكومية، وتدني مستوى الأجور، فهذا يقلل الحافز لدى موظفي الإدارات الحكومية على وضع حلول خلاقة لهذه الأزمات، بل على العكس، فإن هذا الواقع يسوغ للبعض استغلال تلك الأزمات لمصلحته الشخصية، بما يعمّق من الأزمات».
وتابع: «لا نتمنى أن تتكرر هذه الأزمات، ولكن الواقع يشير إلى أنه ما دامت حالة الحرب مستمرة، والإدارة على ما هي عليه، فإن الأزمات قد تتكرر، وإن لم تكن بالمواد نفسها فبمواد أخرى مهمة للمواطنين».
ورأى العكام، أن مفتاح أي حلّ إداري في سورية هو في رفع مستوى الأجور بشكل عام، وتطوير الهياكل الإدارية، وتكثيف الأعمال الرقابية على إدارات الحكومة، وخاصة المتعلقة بالأزمات الحالية كالكهرباء والمشتقات النفطية.. وغيرها من المواد الأساسية.
صوت الشعب!
فيما يخص دور مجلس الشعب في مراقبة أداء الحكومة ومطالبتها بمعالجة تلك الأزمات وعدم تكرارها، قال العكام: «مجلس الشعب هو صدى الشعب، ومن ثم كان دائماً يضع عبر مساءلته للوزراء المعنيين بتلك الأزمات؛ الكثير من المقترحات والحلول، ولكن يبدو أن بعض إدارات الحكومة لم تكن شفافة بما يكفي لوضع المجلس بحقيقة الأمور، وبالتالي المواطنون، لذلك نرى حالنا أحياناً أمام أزمة مفاجئة للمواطن ولأعضاء مجلس الشعب، ولكن ليست مفاجئة للحكومة».
وأضاف: «إن مجلس الشعب هو إحدى السلطات في سورية، ويجب أن يمارس دوره الرقابي على أعمال الحكومة كي لا تتكرر تلك الأزمات، ولكن لا أعتقد أنه قصر أعضاؤه في طرح تلك الأزمات تحت القبة، ومساءلة الوزراء، والضغط على الحكومة لإيجاد الحلول لكل أزمة على حدة، ومع ذلك، فلن أبرئ نفسي وزملائي، إذ يجب أن نعمل أكثر لنكون صدى حقيقياً للمواطن».
وعن طريقة إجراء العقود الشائعة خلال الحرب لتأمين المتطلبات الأساسية، ودورها في تتالي الأزمات وتكرارها، قال العكام: «هناك جدل بطريقة إجراء العقود أيهما أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة، هل المناقصة أم العقود بالتراضي؟ ففي الأحوال العادية المناقصة هي الأكثر تحقيقاً للعدالة، ولكن في الأحوال التي نعيشها إذا صدقت النيات فإن التراضي هو الأسرع لتأمين السلع الأساسية للمواطنين، وخاصة في ظل العقوبات والإجراءات القسرية أحادية الجانب المتخذة ضد الحكومة والكثير من تجار القطاع الخاص أيضاً هم طرف في تلك العقوبات، مع تأكيد الجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الإطار».
أزمة إدارة
أحد الخبراء الذين اطّلعوا على عمل الحكومة عن قرب رأى أن الوقوع المتكرر في الأزمات يعني أن هناك أزمة في إدارة الأزمات، «آثارها السلبية أكبر من الأزمات ذاتها، ولا يمكن للإدارات الحكومية المتعاقبة أن تتخلى عن مسؤوليتها وتتلطى وراء حالة الحرب والحصار، فالأمر المتوقع حدوثه -الأزمات المتكررة- لم يعد يعتبر استثنائياً أو قاهراً، فلا بدّ من اجتراح الحلول والعمل على استمرار سير المرافق العامة التي تمثل حسن سير الدولة بشكل عام».
وأضاف: «كل ذلك لا بدَّ أن يتم في إطار التخطيط القصير أو المتوسط الأجل، فإذا كانت الأزمات المتكررة تتمحور حول أزمة المشتقات النفطية وسعر الصرف والكهرباء، فقد تكون الحلول في ضوء الرؤية العامة للحكومة من خلال إعطاء الأولوية في رصد الاعتمادات لتحقيق هذه الأغراض، فما الفائدة من رصد اعتمادات لمشروعات استثمارية طويلة الأمد، على حين إن هناك عدم إمكانية لتأمين مواد أساسية كالمشتقات النفطية؟ لذا، لا بدّ من ترشيد وتوجيه الإنفاق العام وفق الأولويات الأساسية، ما يؤدي إلى توفير الجزء الأكثر أهمية من الخدمات للمواطنين».
ورأى الخبير أن ذلك قد يكون أحد الحلول الإسعافية، «ولكن لا يمكن الركون إليها لفترات طويلة، إذ هناك حلول أخرى تتمثل في استمرار تأمين موارد وإيرادات فقدت بسبب الحرب الإرهابية على سورية، وإعادتها إلى الدولة، إلى جانب تعميق العلاقات الاقتصادية الخارجية، ولا سيما مع الدول الصديقة، ولا ننسى أيضاً ضرورة تشجيع مساهمة رؤوس الأموال الخاصة الداخلية والخارجية في خدمة تخفيف حدة الأزمات».
إذاً، ينتقل الحديث من تكرار الأزمات المعيشية «المزمنة» إلى أزمة الإدارات الحكومية، التي تمثل لبّ المشكلة في تكرار الأزمات، مع الأخذ بالحسبان ظروف الحرب، والجهود المبذولة، إلا أن المطلوب هو أكثر من ذلك بكثير، ومن الأفكار التي قد تساعد في ذلك، فتح باب المنافسة في العقود الخاصة بتأمين الاحتياجات الرئيسة، وتسهيل أقنية التمويل، ومحاسبة من ينكل بتأمين العقود، وتوريط الحكومة بالسعي السريع إلى تأمين بديل مهما كلف الأمر للحدّ من الأزمات.