مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية   كلمات السيد رئيس الجمهورية أمام المجلس

كلمة رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد في الجلسة الأولى الافتتاحية للدور التشريعي الأول 2012 - 2016 تاريخ 3/6/2012

الأحد, 3 حزيران, 2012


كلمة
رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد
في الجلسة الأولى الافتتاحية للدور التشريعي الأول 2012 - 2016
في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأحد الثالث عشر من رجب 1433هـ الموافق للثالث من حزيران 2012 م 

 

في مستهل هذا الدور التشريعي نتذكر إخوة كان من المفترض أن يكونوا معنا اليوم تحت قبة هذا البرلمان يشاركوننا هذه الورشة الوطنية الكبرى، لكن رصاص الغدر حال دون ذلك، استشهدوا لمجرد أنهم صمموا على حمل المسؤولية الوطنية فرشحوا لانتخابات مجلس الشعب ولم يتمكنوا من أن يشاركونا هذا اليوم التاريخي.

لأرواحهم ولأرواح كل الشهداء الأبرياء المدنيين والشهداء العسكريين الذين سقطوا منذ الأيام الأولى لهذه الأحداث نقف إجلالاً وإكباراً ونرسل لأهاليهم أولاً تحيةً ومحبة، ونقول : دماؤهم لن تذهب هدراً، ليس انطلاقاً من الحقد وإنما انطلاقاً من الحق فالحق لا يسقط إلا عندما يتنازل عنه صاحبه.

عزاؤنا الوحيد، وأنا لا أتحدث هنا عن عائلاتهم، وإنما أتحدث عن العائلة السورية الكبيرة.. عزاؤنا الوحيد جميعاً أن يعود وطننا سليماً معافى وأن ينعم أبناء هذا الوطن بالأمن والسلام والطمأنينة والاستقرار.

السيد رئيس مجلس الشعب.. السيدات والسادة أعضاء المجلس، أيتها الأخوات أيها الإخوة.

يسعدني أن أهنئكم اليوم بنيلكم ثقة الشعب وأن يكون بيننا الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى هذه المؤسسة الوطنية ليعبروا عن الدماء الجديدة والأفكار الخلاقة التي تضخ في قلب المؤسسة ليتجدد بها الوطن وتحيا عبرها آمال المواطنين بغدٍ مشرقٍ مليء بالأمان والازدهار.

وأعبر عن تقديري العميق لتصميمكم على خوض الانتخابات في هذه الظروف الدقيقة التي تقتضي منا المزيد من الجرأة والصلابة والشعور بالمسؤولية، والذي يبرهن على مدى استعدادكم للبذل والتضحية في وقت ينوء البعض بأعباء المسؤولية الوطنية ولا يتصدى لها سوى المؤمنين بقدسية العمل الوطني ولا يتحمل أعباءها سوى من نذر نفسه لخدمة شعبه والدفاع عنه.

مجلسكم أيها السادة هو مجلس كل الشعب؛ هو مجلس المزارع الحالم بمحصول أفضل وبغد أبهى وهو مجلس الفلاح الماسح عرق الجبين ليطعم أبناءه وأهله، ومجلس الموظف الكادح الممسك بيد ابنه يرافقه إلى المدرسة ليكون مستقبل أولاده أكثر أمنا واستقراراً ورفاهية، هو مجلس الجندي الناذر حياته للدفاع عن الوطن، وهو أيضاً مجلس المثقف والمتعلم والطبيب والمهندس والمحامي والصحفي والعامل، وهو مجلس المرأة التي مابرحت في مجتمعنا السوري تتقدم وتتطور، هو مجلس للشعب منه يستلهم وبه يحيا ولأجله يشرع ويراقب السلطة التنفيذية.

وإن قيامكم بمهامكم التشريعية والرقابية لا يمكن أن يتم على الشكل الأمثل دون امتلاك رؤيا تطويرية واضحة وإنضاج هذه الرؤيا بحاجة لعاملَين: الأول هو الحوار البناء تحت قبة هذا المجلس بين أعضائه، والثاني هو التواصل مع المواطنين سواء لمعرفة التحديات والصعوبات التي يواجهونها أو للاستماع منهم لحلول ومقترحات تغني ما لدى أعضاء المجلس من برامج وخطط وتجعلها أقرب إلى الواقع وأقدر على ملامسة هموم المواطنين.

هذا التواصل بين المسؤول سواء كان في السلطة التشريعية أو في السلطة التنفيذية هو حاجة للمواطن كي ينقل همومه، ولكن هو حاجة أكبر للمسؤول لأن نجاح المسؤول في أي سلطة سواء كانت تشريعية أم تنفيذية مرتبط بشكل مباشر وله صلة وثيقة بعلاقته مع المواطن وقدرته على التفاعل مع هذه العلاقة وقدرته على استخلاص الأفكار والخطط والرؤى المنبثقة من طموحات وطروحات المواطن وحاجته لحياة أفضل، فإذا كان المواطن هو الهدف بالنسبة لنا فلابد أن يكون هو المنطلق، وإذا كنا نعمل من أجله وكانت الغاية هي مصلحة المواطن فلابد أن يكون رأي المواطن هو البوصلة التي نسترشد بها.

والتركيز على الدور الرقابي للمجلس لا يجوز أن يغفل دوره التشاركي مع السلطة التنفيذية فمن يراقب ويسائل عليه أيضاً أن يكون قادراً على طرح الحلول، وهذا يتطلب تحويل هذه المؤسسة إلى خلية نحل من العمل والحوار لكي تكون مولد الطاقة والمحرك لمجمل عملية التطوير في سورية.

كثيراً ما توصف العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية سواء كانت الحكومة أو المؤسسات الأخرى بأنها جيدة أو سيئة، وأعتقد أن هذا الوصف غير صحيح؛ لأن العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية ليست علاقة مجاملة أو منافسة بل هي علاقة تكامل وعلاقة التكامل يجب أن توصف بأنها منهجية أو غير منهجية، وعندما نقول: إنها يجب أن تكون منهجية فنحن بحاجة لآليات، وهذا هو أهم شيء تبدأ به أي مؤسسة عملها في بداية مرحلة معينة.

عندما نتحدث عن الدور الرقابي للمجلس؛ وهو أهم دور يقوم به على السلطة التنفيذية، فالرقابة لا تبدأ مع التقصير الذي يقوم به المسؤول التنفيذي، بل هي تبدأ بالتخطيط وتكتمل عندما يكون هناك تقصير أو خلل ما وعندما تبدأ السلطة التنفيذية بالتخطيط لابد أن يكون هناك حوار مباشر بينها وبين السلطة التشريعية ويناقش المجلس مع هذه الجهات، ويبدأ مع الحكومة عندما تقدم البيان الوزاري، ولاحقاً يطلب من كل وزير خطته وما هي رؤيته لهذا القطاع المسؤول عنه؟ ثم يأتي بعد ذلك دور المجلس في المتابعة والرقابة، ولاحقاً عندما يكون هناك تقصير يكون دور المجلس هو المحاسبة، وهنا يتحمل المجلس أمام الناخب وأمام المواطن مسؤولية النقاش، ويجب أن يكون عضو المجلس قادراً على النقاش والموافقة على خطة يتحمل مسؤوليتها مع السلطة التنفيذية، وطبعاً هو لا يتحمل مسؤولية التنفيذ، وهذا يتطلب من كل عضو ألا يتحول إلى مجرد قناة بين المواطن ومؤسسات الدولة بل هو حالة تفاعلية قادرة على طرح الأفكار والخطط ومناقشتها أيضاً مع السلطة التنفيذية؛ لنرى إذا كانت هذه الخطة ممكنة وقابلة للتنفيذ أم لا.

تخيلوا عندما يكون لدينا بدلاً من عشرات الوزراء في مؤسسة يفكرون ويخططون .. مئات من الأعضاء مع العشرات يخططون ويفكرون وينفذون.. بكل تأكيد عملية التطوير ستكون أكثر إنجازاً وأكثر فاعلية.

واليوم تبدؤون دوركم التشريعي في مرحلة مفصلية تتجاوز خطورتها ما واجهته سورية منذ جلاء المستعمر الفرنسي. وهذا يتطلب منكم دوراً استثنائياً للتعامل مع قوتين متعاكستين: الأولى تدفع للوراء بما تحمله من محاولات لإضعاف سورية وانتهاك سيادتها ومن قتل وتخريب وجهل وتخلف وارتهان البعض للخارج، والثانية تدفع باتجاه الأمام بما تحمله من تصميم على الإصلاح تجلى بحزمة القوانين والدستور الجديد، والتي وسعت المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الوطن.

وإذا كان الوقوف في وجه الهجمة الإقليمية والعالمية على بلدنا ليس بالمهمة السهلة، فإن التأقلم مع الإصلاحات وتعزيزها ليس بالعملية السهلة أيضاً. بهذه الإصلاحات نصد جزءاً كبيراً من الهجمة علينا ونبني سداً منيعاً في وجه الأطماع الإقليمية والدولية، ونجاحنا في ذلك يعتمد على استيعابنا لمتطلبات الإصلاح على المستويين الرسمي والشعبي.. والشعب الذي تمكن من استيعاب حجم وأبعاد المخطط الذي رُسم لسورية وللمنطقة وواجهه بتصميم ووعي وطني كبيرين هو نفسه القادر على استيعاب متطلبات الإصلاح...ومن حق هذا الشعب علينا - وهو الذي أثبت قدراته باختبارات وطنية فائقة الصعوبة ونجح فيها- أن نرتقي بأدائنا إلى مستوى وعيه وصلابته؛ لكي يحق لنا أن نفخر بتمثيله ونتشرف بالعمل لأجله.

السيدات والسادة: لقد قمنا منذ الأيام الأولى للأزمة بالإعلان عن خطوات سياسية واضحة نعزز بها عملية التطوير من خلال توسيع المشاركة الشعبية، ونقطع بها الطريق على كل من حاول الاختباء خلف عناوين الإصلاح واستغلال الأحداث لأهداف غير شريفة وغير وطنية.. وقد تم إنجاز هذه الخطوات ضمن الجدول الزمني المعلن بعكس توقعات الخصوم والأعداء الذين شككوا بصدق نوايانا.. وبالرغم من إنكار ما تم تحقيقه في المجال السياسي من قبل القوى الخارجية والداخلية التي راهنت على الأزمة، وبالرغم من المحاولات المستمرة لإفشال العملية السياسية، لم نتوقف عن القيام بما أعلناه وبدأنا به، فكان صدور القوانين وإجراء انتخابات الإدارة المحلية، ومن بعدها الاستفتاء على الدستور رداً على تلك المحاولات.

ولا شك إن إجراء انتخابات مجلس الشعب في موعدها رغماً عن القتل والتهديد والإرهاب كان الرد الحاسم من قبل الشعب على القتلة المجرمين وعلى أسيادهم ومموليهم.. جاءت هذه الخطوة الدستورية والديمقراطية لتوجه صفعة لهؤلاء الذين أرادوا لسورية أن تنغلق على ذاتها وتغرق بدماء أبنائها وتعود عقوداً إلى الوراء.. وها هي سورية تخرج بحلَّة نيابية جديدة تستكمل مسيرة ما وعدنا به قبل الأزمة وخلالها، وتسير نحو المستقبل بكثير من الأمل والتصميم والتحدي.

لقد أدمت هذه الأحداث الوطن واستهلكت الكثير من رصيده مادياً ومعنوياً وأخلاقياً.. وفي خطابي الأول تحت قبة هذا المجلس - وفيما كانت الأزمة في أسابيعها الأولى- تحدثت عن العامل الخارجي فيها دون التركيز عليه على اعتبار أن المسؤولية الأكبر عن الخلل الذي يصيب المنزل تقع على عاتق مالكيه وساكنيه قبل أن تقع على عاتق الغرباء، ولكن البعض ذهب في ذلك الوقت إلى حد إنكار العامل الخارجي كلياً واعتبار هذا الطرح تهرباً من استحقاقات داخلية، وأن مجمل المشكلة هو خلاف صرف بين أطراف سورية، وأن ما يجري على الأرض هو حراك سلمي خالص و أي عنف يقع فمصدره الدولة، وقد طرح البعض هذا الطرح بخبث وسوء نية.. والبعض الآخر بسذاجة وعدم معرفة وتأثر بالتزوير الإعلامي. واليوم وبعد سنة ونيف تتضح الأمور وتنزع الأقنعة.. فالدور الدولي فيما يحصل معرّى أساساً منذ عقود بل قرون مضت ولم يتغير ولا أراه متغيراً في المدى المنظور.. الاستعمار يبقى استعماراً وتتغير الأساليب والهجوم.. والدور الإقليمي فضح نفسه بنفسه عندما انتقل من فشل إلى آخر فيما خطط له فاضطر إلى إعلان حقيقة موقفه ونواياه على لسان مسؤوليه أنفسهم.. أما بعض القوى والشخصيات المحلية والتي نصبت نفسها وكيلاً عن الشعب فرأت الشعب يعبر عن نفسه في الشارع من دون حاجة لوصيٍّ أو وكيل ينتهز الفرصة ليركب موجة عارضة ويبني لنفسه أمجاداً على حساب دماء الشعب.

أما من وضع جسده في الداخل وقلبه وعقله في الخارج فقد احتقره الشعب ونبذه إلى غير رجعة، بالمقابل كان هناك من يسعى إلى طرح الأفكار بهدف الوصول إلى حل منذ البدايات، البعض منها ارتكز على انفعال عاطفي في أزمة خطط لها بالعقل والبعض الآخر استند إلى معلومات متداولة من دون تدقيق في أزمة أسس لها على قاعدة متينة من التزوير، نقدر النوايا الطيبة لكن ما يحصل أكثر تعقيداً وأشد خطورة من أن نتعامل معه بتبسيط في التحليل أو بعاطفة انفعالية أو بطروحات طوباوية، فبعد كل هذه الحقائق الصارخة في وضوحها، وبعد كل تلك الدماء الزكية التي سفكت والأرواح البريئة التي أزهقت فنحن بحاجة للكثير الكثير من العقل.

نحن بحاجة لنتعلم من الشعب الذي ننتمي إليه والذي تمكن من فك رموز المؤامرة في بداياتها وحل شيفرة التزوير على تعقيدها، مستنداً إلى حس شعبي لا يخطئ وذاكرة وطنية تنهل من تراث مليء بالتجارب الغنية، وتراكم أخلاقي شكل حصناً حمى مجتمعنا من الانحراف وتقاليدنا وهويتنا من الاندثار.

ما تعلمناه من الشعب هو مبدأ بسيط قديم ولكنه عميق.. إذا أردنا حل مشكلة ما فعلينا أن نواجه هذه المشكلة لا أن نهرب منها، ومعظم ما طرح من حلول كان يعبر عن حالة لا شعورية من الهروب إلى الأمام، وقد تكون مواجهة المشكلة مؤلمة في كثير من الأحيان لكنها بالمحصلة شافية، أما الهروب منها فهو كالمدمن الذي يشعر بالنشوة الكاذبة ولكنه في حقيقة الأمر يسير نحو الموت.

قيل الكثير حول الحل السياسي منذ بداية الأزمة، وهناك من يتحدث عن حل سياسي وغيره من النقاط أو التفاصيل المرتبطة به، ولكن أحداً من هؤلاء لم يطرح حتى الآن ما هي العلاقة بين الحل السياسي والإرهاب الذي طغى وتزايد منذ بداية الأزمة حتى الآن.. فهل يمنع الحوار والحل السياسي الذي نتحدث عنه الإرهابيَّ من أن يقوم بما قام به حتى اليوم؟ هل هذا الإرهابي قام بقطع الرؤوس والتفجير والاغتيال وبكل أنواع الإرهاب البشع لأن هناك طرفين سوريين اختلفا سياسياً مع بعضهما البعض، وهذا يعني عندما نتحاور ونتفق على حل سياسي ما، سيأتي هذا الإرهابي ويقول: زالت الأسباب وأنا سأتراجع عن الإرهاب. إن هذا الكلام غير منطقي.

هل ضرب الإرهاب فئة دون أخرى، وبالتالي هو كان جزءاً من خلاف سياسي ووقف مع طرف ضد طرف وبرر لنفسه أن يكون موجوداً على الساحة كجزء من هذه المشكلة السياسية، لا أبداً، الإرهاب ضرب كل الأطراف من دون استثناء.

هل أثرت القوانين التي صدرت منذ بداية الأزمة حتى اليوم على الإرهاب ايجاباً؟ بمعنى أن الإرهاب تراجع؟ الحقيقة الجواب واضح، العملية السياسية تسير للأمام ولكن الإرهاب أيضاً يتصاعد من دون توقف.

قالوا في البداية: إن المشكلة هي عدم وجود أحزاب فصدرت قوانين الأحزاب، وإن المشكلة في المادة الثامنة فتغيرت وذهب الدستور، وتغير غيرها من الحجج والمبررات والعناوين التي وضعت ولكن الواقع لم يتغير بالنسبة للأعمال الإرهابية.. وهذا هو الجواب الواقعي فنحن لا نحلل ولا نبتكر بل الواقع هو الذي يعطي الجواب الواضح.

إن الإرهابي لا يعنيه الإصلاح ولا الحوار، بل هو مجرم كُلِّف بمهمة وهو لا يهتم بالإدانة ولا بالاستنكار ولا يتأثر ببكاء الأرامل والثكالى والأيتام، وهو لن يتوقف حتى ينجز هذه المهمة بغضِّ النظر عن أي شيء، ولن يتوقف إلا إذا قمنا نحن بإيقافه.

إن عدم الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية هو خطأ كبير يرتكبه البعض ويعطي الشرعية للإرهاب، هذه الشرعية التي بحث عنها الإرهابيون وأسيادهم منذ اليوم الأول للأحداث، إذن الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية أساسي كي نفهم ونعرف كيف نتحرك باتجاه تحسين الظروف التي نعيش بها.

بداية علينا أن نعرف المشكلة ونشرحها ونحدد القوى المؤثرة فيها، كي لا تبقى طروحاتنا تدور في حالة من الفراغ وبالتالي نطرح فقط الحلول القاصرة أو الوهمية أو الخاطئة، وبالتالي نخسر الزمن والدماء والوطن، ويجب أن نعرف أولاً أننا لا نواجه مشكلة سياسية؛ لأننا لو كنا نواجه مشكلة سياسية فلابد من وجود طرف يطرح برنامجاً سياسياً أو اقتصادياً، ثم نواجه هذا الطرف ببرنامج سياسي أو اقتصادي، وهذا ما فعلناه بالرغم من معرفتنا منذ اليوم الأول أن المشكلة ليست مشكلة سياسية.

إن ما نواجهه هو مشروع فتنة وتدمير للوطن وأداة هذه الفتنة هي الإرهاب، فكيف يمكن أن نربط بين العمل السياسي والإرهاب؟. وبالتالي فإن هذا الفصل ضروري جداً، ومع ذلك نحن منذ الأيام الأولى لم نترك طريقة سياسية إلا وجربناها، وأنا أقول هذا الكلام لأن البعض ربما يتوقع من الرئيس في كل خطاب أن يأتي بحل معجزة مثل العصا السحرية التي أتحدث عنها دائماً.

لا يوجد لدينا عصا سحرية ونحن جربنا كل الطرق السياسية : القوانين وتغيير الدستور والعفو عمن تورط، وما زلنا مستمرين بهذا الموضوع.. وحتى الحوار الوطني قلنا: لا يوجد مشكلة فيه كمبدأ ولكن هذا الحوار بحاجة إلى تهيئة وإلى أطراف معروفة تتفق، بحاجة لإيقاف الإرهاب، وعندها نستطيع أن نصل إلى الحوار الوطني.

كل الطروحات السياسية وافقنا عليها وكنا مرنين جداً ولكن هناك فرق بين أن نقوم بعملية سياسية ونعتقد أنها ستنتج، ونصاب بالإحباط، ويكون الإرهاب قد قطع مراحل للأمام، وبين أن نعرف أن هذه العملية السياسية نحن نحتاجها بغضِّ النظر عن موضوع الإرهاب.

عندما نقول: إن القضية قضية إرهاب فنحن لم نعد في الإطار الداخلي السياسي، بل نحن نواجه الآن حرباً حقيقية من الخارج، والتعامل مع حرب يختلف عن التعامل مع خلاف داخلي مع أطراف سورية، وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة.

أيضاً قيل الكثير حول الحوار والبعض ممن لا يحب الشعارات ويقول بأنها شعارات جوفاء.. حوّل الحوار من دون أن يشعر إلى شعار أجوف.. فأين هي الخطط وما هي التصورات لهذا الحوار؟ ومن هي الأطراف المعنية بالحوار؟ ومن يحاور من؟ وحول ماذا تتحاور هذه الأطراف؟ وما هي هذه الأطراف وما هي علاقتها بالأحداث؟ وهل هي أطراف مؤثرة فعلاً في الأحداث التي تجري يومياً؟ أم هي عبارة عن أطراف تركب موجة معينة لكي تحقق مكاسب شخصية؟ وهل يجب أن تكون هذه الأطراف ممثلة شعبياً لكي تشارك بالحوار أم لا؟.. فإذا كان الجواب لا يهم، فما قيمة حوار لا يعني الشعب أو أن الشعب غير معني به؟ وأعتقد الجواب واضحاً.. وإذا كان الجواب: نعم، فكيف نحدد أن هذه الأطراف تمثل حالة شعبية أو جزءاً أو فئة من الشعب؟

مبدئياً إن الأساس الوحيد الموجود هو الانتخابات. فهل شاركت هذه القوى التي ستحاور في الانتخابات؟ أم أنها تنطَّحت للدفاع عن الشعب أو للتحدث باسم كل الشعب، وعندما أتى الاستحقاق الانتخابي هربت لكي لا نرى الحجم الحقيقي لهذه القوى؟

إن هذه القوى هربت من الانتخابات تحت عنوان المقاطعة وعندما نقاطع الانتخابات فنحن لا نقاطع الدولة والحكومة والحزب الحاكم، بل نقاطع الشعب؛ لأن الانتخابات حق للشعب، ولأن الناخب هو المواطن وليس الدولة ولا الحزب، وبالتالي كيف يمكن لشخص أن يقف أمام الناس ويقول: أنا أمثل الشعب وأنا أقاطع الشعب؟! فهذا تناقض غير ممكن، وإذا أردنا أن نضعه في فيلم خيال لما تمكنا.

إن أي عملية سياسية لا ترتكز على الحالة الشعبية هي عملية ليس لها قيمة من الناحية الفعلية.. والحالة الشعبية عبرت عن نفسها حيث نزل الملايين من الناس إلى الشوارع.. رجالاً ونساء وشباباً وشابات وأطفالاً وشيوخاً وعبروا بشكل واضح عن رفضهم للتدخل الأجنبي وللارتهان للخارج ورفضهم للمساس بوحدة الوطن ووحدة أراضيه ونسيجه الاجتماعي.. كما عبرت عن نفسها بالمشاركة في الانتخابات في هذه الظروف الصعبة، وقبلها في انتخابات الإدارة المحلية وفي المشاركة الواسعة بالاستفتاء على الدستور رغم التهديد والإرهاب.

إن أي عمل سياسي نقوم به يجب أن يرتكز على هذه الأسس التي حددتها الجماهير ومنها الحوار الوطني الذي نتحدث عنه.. والحوار الوطني المقبل يجب أن يرتكز على هذه الأسس؛ لكي لا يبقى حواراً شكلياً لا يحقق أي نتائج للمواطنين وللوطن.. ولذلك أقول: عملية سياسية، ولا أقول حلاً سياسياً.. فعندما نقول: حلاً سياسياً فإن هذا يعني أن ما نقوم به الآن سيؤدي إلى تحسن الظروف، ونحن قلنا: إن الإرهاب منفصل عن العمل السياسي.. ولذلك أنا أقول: هو مسار سياسي.

عندما يقول المواطن: أنتم أعطيتموني حلاً ولم ينجح.. ألم تكونوا تعرفون...؟ لا.. كلنا نعرف منذ اليوم الأول أن هذا الحل الذي نطرحه أو هذا المسار السياسي لن يؤدي لحل، لكننا قمنا بهذا المسار السياسي أو بدأنا به؛ لأننا تحدثنا عنه وأقررناه في العام 2005 ولأن المجتمع السوري يحتاج لهذا المسار السياسي بغضِّ النظر عن الأزمة.

إذن هذا المسار بدأ بالقوانين التي صدرت وبالأحزاب التي شكلت وبالتعددية السياسية التي أقرها الدستور والتي طبقت، واستمر بانتخابات الإدارة المحلية والاستفتاء على الدستور وبانتخابات مجلس الشعب الأخيرة.

 الحوار المقبل - كيفما كان شكله ومهما كانت النتائج الصادرة عنه- يجب بالمحصلة أن تخضع للمصادقة الشعبية التي تكون بإحدى طريقتين: إما عن طريق ممثلي الشعب أي مجلس الشعب، أو عن طريق الاستفتاء المباشر من قبل المواطنين كما حصل في الاستفتاء على الدستور.. وطبعاً يعتمد على: ما هو نوع الطرح الموجود في الحوار الوطني؟

بما أننا نتحدث عن حوار الشعب مع ممثليه فلابد أن يكون لمجلس الشعب دور في هذا الحوار.. وقد يكون السؤال.. أين وصل الحوار...؟ في الخطاب الماضي في الشهر الأول تحدثت عن الحوار.. والحقيقة أننا أعلنا ودائماً نقول: نحن مستعدون للحوار وأبوابنا مفتوحة للحوار، وهناك قوى معارضة مختلفة (أقصد متنوعة) والبعض منها أعلن عن رغبته واستعداده للحوار والبعض الآخر لم يعلن.. جزء من قوى المعارضة الوطنية شارك بالانتخابات وعبر عن رغبته فعلاً واستعداده للحوار، وهو موجود معنا في هذه القاعة وأتى إلى مجلس الشعب من خلال القاعدة الشعبية التي يمثلها.

ولكن هناك جزء آخر من المعارضة حتى الآن ما زال ينتظر التوازنات في الخارج.. ونحن نتحدث بكل صراحة بعيداً عن الدبلوماسية، فهو ينتظر توازنات في الخارج، والبعض ينتظر الإشارات من الخارج.. ومع ذلك نحن نقول: الأبواب ما زالت مفتوحة ونحن على استعداد دائماً للبدء بالحوار من دون شروط، باستثناء القوى التي تتعامل مع الخارج ومرتهنة له.. قوى طالبت بالتدخل الخارجي، أو التي انغمست مباشرة بدعم الإرهاب.

 طبعاً يكتمل المسار السياسي  بموضوع الحكومة، ولكنني تحدثت في الخطاب الماضي عن الحكومة.. فالدستور الحالي يقر باستقالة الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب.. وقريباً سنكون أمام حكومة جديدة تأخذ بالاعتبار القوى السياسية الجديدة وبشكل خاص تأخذ بالاعتبار – طبعاً- التوازن الجديد في مجلس الشعب.

أبواب سورية مفتوحة لكل من يريد اصلاحاً حقيقياً وحواراً صادقاً، و قلوبنا مفتوحة لإشراك كل سوري صادق في مسيرة النهوض بالدولة.. ولا رجعة عن كل ما قمنا به من إصلاحات وانفتاح.. وسورية التي تسير نحو المستقبل رغم الجراح هي سورية الحاضنة لكل أبنائها مهما اختلفت الآراء إذا ما بقي الاختلاف سلمياً وديمقراطياً ولأجل الوطن وليس عليه.

 أما الإرهاب فلا يرتبط بالعملية السياسية وهو يستهدف الوطن كل الوطن، بشعبه ومؤسساته وأحزابه، وهو حالة منفصلة وعلاجه مختلف؛ لأنه لا يخضع لأي من المعايير التي سبق ذكرها، علينا إذن أن نكافح الإرهاب لكي يشفى الوطن.. لامبرر للإرهاب تحت أي ذريعة أو عنوان .. ولا تساهل بالتالي ولا مهادنة معه ولا مع من يدعمه.. ولا تسامح إلا مع من تخلى عنه.. وسنستمر بالحزم في مواجهته بالتوازي مع فتح الباب لكل من يريد العودة عنه في حال لم تلوث يداه بالدماء، وقد استجاب الآلاف من المتورطين بحمل السلاح وتسامحت معهم الدولة.

إن هذا يؤكد صحة النهج الذي تبنته الدولة في هذا الإطار ويؤكد مصداقية الدولة فيما تقوله بالرغم من محاولات التشكيك، وهناك أشخاص كثر ترددوا في القيام بهذه الخطوة بسبب التشكيك الذي يأتيهم من أشخاص آخرين لكي يبقوا متورطين.. أنا الآن أشجع هؤلاء الأشخاص الذين كانوا مترددين أن يقوموا بهذه الخطوة، وأؤكد مرة أخرى على أن الدولة لا تنتقم، دائماً يقولون لهم: إن الدولة ستنتقم.. وإن لم تنتقم الآن فلاحقاً بعد انتهاء الأزمة.. وأنا أؤكد أننا لن ننتقم عاجلاً ولا آجلاً، ونحن في الماضي وفي مفاصل مختلفة تسامحنا مع أشخاص من غير السوريين أساؤوا لسورية كثيراً فكيف لا نتسامح مع ابن الوطن؟

والأمن الوطني خط أحمر وقد يكون الثمن غالياً، وهو حتى الآن ثمن غالٍ جداً دفعته سورية والوطن، ولكن مهما كان الثمن غالياً فلابد من أن نكون مستعدين لدفعه حفاظاً على وحدة النسيج والمجتمع السوري وحفاظاً على قوة سورية.

وبعد الحديث عن المسار السياسي فما هو الحل السياسي.. فالمسار لا يحل الأزمة الحالية ولا يخفف الإرهاب.. ولكن الحل السياسي هو شيء أشمل من مجرد قوانين ودستور وهو مرتبط بكل الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة والتي سمحت للأجانب - إذا افترضنا أن البعض من المستعربين أجانب- بالتدخل في الأمور الداخلية السورية.. وهذه الأزمة خلقت إشكالات وثغرات سنعاني منها في المستقبل.. لذا نحن بحاجة إلى حل سياسي لكل هذه الأشياء، وما قمنا به من تشريعات يساعد ولكن إلى حد معين.. والحل السياسي لا يبدأ بالقوانين ولا يبدأ بالدستور ولا بكل هذه الإجراءات، وإنما يبدأ بالمفاهيم، الثغرات التي ظهرت لدينا في هذه الأزمة.. هي ثغرات في المفاهيم التي لم نكن نراها حقيقة ولابد من التعامل معها وخاصة في هذه المرحلة.

إن الحل السياسي يبدأ عندما نفرق بين الاختلاف بالرأي الذي يعني الغنى، والاختلاف حول الوطن الذي يعني التدمير.. فالتعددية لا تعني الصراع ولا التصادم بل التكامل دون التماثل.. والتعددية هي حالة فكرية قبل أن تكون حزبية عندما نقبل الأفكار المخالفة لأفكارنا من دون أن تخالف أي منها مصلحة وسلامة الوطن.. والحل يبدأ عندما نعرف أن الأمم العريقة تذوب اختلافاتها في الأزمات والملمَّات لصالح الوطن، وتصبح القضية مع الوطن أو ضد الوطن لا مع الدولة والحكم أو ضدهم، وعندما تبنى الأولويات على مصلحة الوطن وليس على المشاعر والانفعالات الشخصية وعندما نرتقي في نقاشاتنا لنفرق بين الرأي والحقائق.. بين الطموح والواقع.. ونفهم العلاقة بين العقائد والمصالح.. نعرف أن التكتيك دون استراتيجية تقوده وتوجهه هو فشل محتوم.

إلا أن البعض يخلط بين أن يكون ضد سياسة دولة أو ضد أداء مسؤول، وبين أن يكون ضد الوطن.. وهذا ما يحصل في كثير من الحالات، وهناك أشخاص فرقوا بين الحالتين، وهناك أشخاص نزلوا إلى المسيرات المؤيدة التي رأيناها بكثافة وهم لا يتفقون مع سياسة الدولة ويعارضون الكثير من المسؤولين في أدائهم، ولكنهم أشخاص وطنيون عرفوا كيف يفرقون بين الحالة الأولى والحالة الثانية، ونزلوا إلى الشارع تأييداً للوطن وخوفاً عليه.

هناك من أساء لهم - موظف أو عنصر في مؤسسة ما قد يكون عنصراً في مؤسسة أمنية أو غيرها- هذا ليس مبرراً لكي يتحول هذا الشخص إلى الانتقام من مؤسسات الدولة أو الوطن.. هناك مثل أجنبي يقول: قطع أنفه نكاية في وجهه. ولا يمكن أن نطبق هذا المثل على الوطن.. وهناك بالمقابل أشخاص كأهل الشهداء الذين التقيت بهم وأبنائهم أو إخوتهم ممن استشهدوا ولم يكونوا في معركة لا من الجيش أو الأمن أو الشرطة وسقطوا بالخطأ في مكان ما، وقالوا لي شخصياً أو قالوا لآخرين: إن حال الوطن الآن هو أولوية وقضية الوطن أهم من قضيتنا الشخصية، نتحدث بقضيتنا الشخصية عندما نتجاوز هذه الأزمة. هؤلاء هم الأشخاص الوطنيون، وأغلب الشعب السوري هو كهؤلاء.. ولذلك يجب أن نعمم هذه الحالة لكي لا نخلط بين الخطأ الصغير والتحدي الكبير.

في الأزمات الوطنية لابد من الترفع عن الصغائر.. ولابد أن نكون كباراً بحجم التحدي، وقد نطرح شيئاً قد يكون صحيحاً في وقت آخر ولكنه في هذا الوقت بالذات هو طرح خاطئ، وعندما نفهم هذه المفاهيم ونتبع هذا المنهج عندها نستطيع أن ننقذ الوطن، فلا يكفي أن نحب الوطن لكي نجعله قوياً بل يجب أن نعرف كيف نحبه.. فكم من أب وأم خرّجوا للمجتمع أبناء فاشلين بتربية لا تخلو من المحبة، ولكنها تخلو من المعرفة والعقلانية. ولا يكفي أن نكره الدماء لكي لاتسيل ويجب أن نعرف كيف نمنعها من السيلان، وهناك البعض يبني مواقفه السياسية على كلمتين..  هو يكره العنف ويكره الدماء.. وأنا أقول: من هو الإنسان العاقل الذي يحب الدماء...؟ هذا الكلام من البديهيات، ولكن عندما يدخل الطبيب الجراح إلى غرفة العمليات ويفتح الجرح وينزف الجرح ويقطع ويستأصل ويبتر.. ماذا نقول له: تبت يداك هي ملوثة بالدماء؟ أم نقول له: سلمت يداك لأنك أنقذت المريض.

عندما تحمل المقاومة السلاح هل تحمله حباً بالدماء؟.. هل قام الرسول صلى الله عليه وسلم بحروبه حباً بالدماء أم دفاعاً عن الرسالة؟ وكذلك الأمر بالنسبة لحروب الخلفاء الراشدين.. ونحن اليوم ندافع عن قضية وندافع عن وطن.. نحن لا نقوم بهذه الأعمال حباً بالدماء، وقد فرضت علينا معركة، فكانت النتيجة هذه الدماء التي نزفت.. وقد يقول البعض: كنا نتمنى أن تكون هذه الدماء على الحدود وعلى الجبهة.. هذا الكلام صحيح ولكن العدو أصبح في الداخل ولم يعد على الحدود.. غيّر التكتيك وغيّر الأسلوب.

مع ذلك ما زلنا كلنا نكره الدماء ولكننا نحن نتعامل مع الواقع، وأتمنى أن نبني أفكارنا على الواقع وليس على المشاعر، عندئذ لا نخشى مجرماً أو مأجوراً أو مخططاً يقوده مستعمر مسعور ويموله حاكم موتور، عندئذ لا نخشى تشوش وتشويش البعض الذي أراد أن يقولب الأزمة؛ لكي تناسب ما في عقله بدلاً من أن يعيد صياغة أفكاره ومنطقه لكي يتماشى مع الحقائق التي تحيط بنا.

أنا لا أتحدث عن عميل في الداخل أو متآمر في الخارج، فهذا هو موقعهم الطبيعي أن يقوموا بكل ما فيه ضرر لهذا الوطن.. وأنا بهذا الخطاب لن أتحدث عن الوضع الدولي ولا الإقليمي.. لن أضيع وقتكم بهذا الكلام، أنا أعتقد دائماً بأن المشكلة تبدأ من هنا وسأركز في كل الكلمة على الوضع الداخلي.. أنا لاأتحدث عن عميل في الداخل أو متآمر في الخارج، بل أعاتب سورياً أحب بلده لكنه لم يعرف كيف يحميه، ولم يفهم ما الذي يحيط به فانجرف مع الموجة وغرق في الشعارات الخلابة، وساهم من حيث لايدري في ضرب وطنه سواء بسبب الشخصانية التي تسيطر عليه أو الأحقاد التي تتحكم فيه أو لقصر نظر ومحدودية رؤيته.

البعض من هؤلاء يفترض بأنه الأكثر معرفة في مجتمعنا، وأقول لهؤلاء: تعلموا من الشعب بدلاً من أن تعلِّموه.. فهو الأكثر ثقافة ومعرفة وهو الأصوب رؤية.. سيروا خلفه لكي لا تضلوا طريق الوطنية، تعلموا منه كيف نبني الوطن وكيف نحميه.. تعلموا من إحساسه الفطري كيف توضع الأولويات.. وكيف لا تحل الهوامش محل الأساسيات، تعلموا منه رؤية الوطن بالحجم الحقيقي لا بالمقياس الجغرافي؛ لكي تعرفوا خطوط التماس السياسية الحقيقية بيننا وبين خصومنا وأعدائنا، وتكونوا أهلاً لخوض المعارك الوطنية الكبرى.

الشعب السوري ذكي؛ لأن المنطقة معقدة، وطبعاً كل شعب ذكي في منطقته، لكن هذه المنطقة معقدة منذ آلاف السنين وتتشابك فيها المصالح.. والشعب الذي يمتلك حضارة كالشعب السوري لا يقلد عادة بشكل ببغائي كل ما يأتيه من الخارج، وخاصة عندما تأتي الرسائل والأفكار عبر الأقنية التي تعبر عن دول لا أريد أن أقول إنها حديثة الحضارة.. أنا أقول: إنها لم تدخل عصر الحضارة بعد، وما تزال تعيش على هامش التاريخ.

(تصفيق)

عندما نقول للبعض ممن يقع بخطأ سماع لهذه الأبواق.. لأن البوق ليس مجرد قناة قد يكون شيئا آخر: لماذا اتخذت هذا الموقف؟. يقول: لأنني ضد الأخطاء التي تحصل.

هل الملايين من السوريين التي نزلت إلى الشوارع نزلت دعماً للأخطاء... أم نزلت لأنها ضد الحرية... أم نزلت لأنها تدعم الفساد والرشوة؟ إن هذه الملايين هي أكثر من يعاني من هذه الأخطاء وأكثر من يقف ضدها ولكنها ميزت الزمن وعرفت أن هذا الوقت هو ليس وقت الحديث عن هذه الأمور، وعرفت أن الهدف هو استبدال هذه الأخطاء بكوارث كبرى. هذا ما فهمته هذه الملايين التي نزلت إلى الشارع.. اليوم وبعد /14/ شهراً ثبتت رؤية الغالبية العظمى من المواطنين.

هنا نسأل أولئك الأشخاص: هل تمكنتم من إصلاح هذه الأخطاء؟ هل الوضع اليوم أفضل مما كان عليه قبل بداية الأزمة..؟ الجواب أيضاً يأتي من خلال الواقع. لكن خطأ هؤلاء أنهم أعطوا المبرر لكل من يريد أن يتدخل ولو بالكلام من الخارج، وطبعاً لم يتوقف التدخل على الكلام كما تعلمون.

المشكلة أنه لدينا أشخاص - وهم قلة لحسن الحظ- لايتعلمون إلا على خلفية من الدماء والأشلاء، والمشكلة أن البعض لا يرى الأمور إلا وهي مدبرة، لا يراها وهي مقبلة؛ أي لا يتمكن من رؤية المستقبل حتى ولو كان شديد الوضوح.

لم يفهموا بأن القضية أكبر بكثير من قضية خلاف بين أطراف سياسية.. لم يفهموا أن القضية ليست حول الإصلاح والديمقراطية كما طرح في البداية، بل هي حول دور سورية المقاوم ودعمها للمقاومة وتمسكها بحقوقها، والمطلوب الآن أن يُضرب هذا الدور وأن يسحق أو أن يقسم هذا الوطن أو كلا الأمرين معاً.

الغريب أن هناك أموراً واضحة كانت منذ البداية، بدأت الأزمة مع الأبواق الطائفية، فكيف لم يفهموا ماذا تعني الطائفية..؟ تعني تقسيم وتفتيت وتفجير المجتمع، فكيف لم يروا هذه الأمور على وضوحها؟

أنا أسأل سؤالاً: لماذا لم يضرب هذا الإرهاب الذي نراه اليوم يضرب بشدة، لماذا لم نره قبل الأزمة؟ مع أن سورية مطوقة بدول فيها هذه الحالات الإرهابية منذ أكثر من /10/ سنوات..؟ لأن الفوضى هي البيئة الطبيعية التي تحتضن الإرهاب، ولأن من سوَّق للفوضى هو من طبَّل لعهد جديد من الحرية والازدهار، وهو لا يعرف عن ماذا يتكلم، فاحتضن الأول الفوضى والفوضى احتضنت الإرهاب، فأصبح هؤلاء الأشخاص من دون أن يدروا مساهمين بشكل أو بآخر في موضوع الإرهاب.

اليوم نرى نتيجة قصر النظر أن هذه الحرية التي هتفوا لها هي عبارة عن أشلاء أبنائنا، وهذه الديمقراطية التي تحدثوا عنها غارقة اليوم بدمائنا.

إن الثمن الذي دفعناه الآن غالٍ، ولكن أنا أتوقع أن الثمن الذي سندفعه بعد الخروج من الأزمة قد يكون أغلى، ليس من الناحية الأمنية وإنما من الناحية الأخلاقية، فأنتم تعرفون ما هي المفاهيم الجديدة التي دخلت لدى قسم كبير من الجيل الشاب في سورية: مفاهيم.. الإرهاب.. العنف.. اللصوصية والمرتزقة.

البعض عاطل عن العمل يأخذ أموالاً ليخرج للمظاهرات.. كلنا نعرف هذه الحقيقة، لكن البعض لديه عمل تركه؛ لأنه رأى العمل الآخر أسهل حيث يخرج لمدة ساعة أو نصف ساعة فيأخذ الأموال، وهناك شباب في سن المراهقة /14-15/ تقريباً أعطوا نحو /2000/ ليرة سورية لقتل كل شخص، فما هو الثمن والوقت والجهد المطلوب منا كي ننظف ما علق في عقول وقلوب أولئك الشباب.. وكيف يمكن أن نعيد تربية هؤلاء كي يعرفوا بأن الفوضى لا تجلب سوى الفوضى، وأن المجتمع لا يمكن أن يبنى إلا على الأخلاق الحميدة؟ أعتقد بأن التحدي أمامنا كبير جداً في هذا الإطار.

على كل الأحوال كما تلاحظون أنا تحدثت كثيراً عن الوضع الداخلي، وعاتبت بشكل مكثف الأشخاص الذين أخطؤوا؛ لأن الكل تحدث عن التدخل الخارجي والمؤامرة الخارجية، والكل تحدث عن الإرهابيين في الداخل طبعاً كتحميل مسؤولية، ولكن لم نتحدث عن مسؤولية الأشخاص الوطنيين الذين يحبون وطنهم، وكما قلت: لم يعرفوا كيف يحبونه.. هذه مشكلة كبيرة لا تقل خطورة عن الطرف الأول والثاني، لذلك أنا توسعت في هذا الموضوع اليوم.

لماذا تحدثت عن هذا الكلام الآن؟ هذه العناصر الثلاثة واضحة منذ بداية الأزمة لعدة أسباب.. السبب الأول أن الزمن الذي استغرقته الأزمة حتى الآن طويل بما فيه الكفاية لكي يتعلم أي شخص، ومن لم يتعلم الحقائق ولم يفهم ما هي حقيقة الأزمة التي نمر بها حتى اليوم فهو برأيي غير قابل للتعلم ولو طالت الأزمة سنوات، والسبب الثاني أن الثمن الذي دفعناه غالٍ جداً وهو أغلى بكثير من الدروس المستفادة من هذه الأزمة أو الفوائد التي يمكن أن نجنيها، في حال افترضنا بأن هناك فوائد يمكن أن نجنيها من هذه الأزمة، والسبب الثالث أن هذا الخطاب هو الخطاب الأول بعد تبديل الدستور وإنجاز حزمة الإصلاحات.

وكما تعلمون كل ما كان يطرح أو ما كنا نطرحه قبل تلك المرحلة كان يعتبر من قبل بعض القوى محاولة للتبرير وللتهرب من عملية الإصلاح.. اليوم نحن أحرار فالدستور صدر، والحزمة التشريعية صدرت، ومصداقيتنا في رغبتنا بالإصلاح ثبتناها كدولة وأصبحنا قادرين على أن نقول بشكل واضح ونخرج من جو النفاق الذي فرض في سورية في بداية الأزمة، عندما كان كل شخص بغضِّ النظر عن اتجاهه يسمى وطنياً يعني الكل وطنيون حتى لو كانوا مرتهنين للخارج، وهذا الكلام لم يعد مقبولاً الآن، فنقول للوطني: وطني، ونقول لغير الوطني: أنت غير وطني.

الرمادية الوطنية لم تعد مقبولة، لماذا أقول: رمادية وطنية؟ ففي خطابي السابق أمام مدرج الجامعة تحدثت عن الرمادية بأنها لم تعد مقبولة، ففهم البعض بأنني أنا أقوم بإلغاء أطياف سياسية؛ يعني: أبيض أو أسود، والحقيقة أن هؤلاء لم يفرقوا بين الرمادية السياسية والرمادية الوطنية، وعندما يكون هناك أحزاب داخلية أو تيارات سياسية أو أشخاص سوريون في حالة خلاف أو تنافس أو تناقض أستطيع أن أقف في المنطقة الرمادية لا مع الأول ولا مع الثاني ولا مع الثالث أو الرابع، أما عندما تكون القضية وطنية وتكون المشكلة بين وطني وأوطان أخرى فأنا حتماً مع وطني وإلا أكون خائناً، فالرمادية الوطنية غير مقبولة، وأنا لا أتحدث عن رمادية سياسية.. البعض يقف في موقف الرمادية الوطنية ويقول: هذه رمادية سياسية، وهذا ما أقصده بالرمادية الوطنية.

 في نفس هذا الإطار ومنذ بداية الأزمة يُطرح أن الرئيس يجب أن يكون لكل الشعب، وأنا أقول كي أكون دقيقاً: إن الرئيس هو لكل من يقف تحت سقف الوطن والدستور والقانون.

(تصفيق)

 وإلا ساويت بين العميل والوطني وبين الضحية والجلاد، وبين الفاسد والشريف وبين من يخرب ومن يبني، و في هذه الرمادية الوطنية مخالفة للدستور ونكث بالقسم وضرر بالمصلحة العامة وخيانة للأمانة الوطنية.

أما لمن يبحث عن رئيس من دون لون أو طعم أو رائحة لبلد هو الأغنى بالألوان والأكثر استساغة للعيش فيه  والأزكى رائحة بعبق تاريخه فأقول لهم: أنا لوني من لون هذا الشعب.

(تصفيق)

 الذي فيه من أطياف السيادة والمقاومة والكرامة والمحبة، وكل طيف آخر من أطياف الإرهاب والطائفية والأشياء الأخرى التي رأيناها مؤخراً فهي أطياف غريبة لا تنتمي إلينا ومصيرها الاضمحلال والزوال.

في قلب هذه الأحداث كانت قواتنا المسلحة الباسلة في مركز الهجوم الذي استهدف سمعتها ودورها وصورتها التي رسمت عبر عقود من التضحيات، ولم يكن من الممكن لمؤسسة أن تقدم ما قدمته قواتنا المسلحة من تضحيات لولا وجود عقيدة توجه أبناءها بالاتجاه الصحيح، فكان المستهدف هو العقيدة التي تعبر عن انتماء الشعب، فاستهدفت هوية الشعب عبر استهداف المؤسسة التي يفخر بها.

قدمت هذه المؤسسة تضحيات كبيرة جداً وأظهر أبناؤها شجاعة نادرة في مواجهة القتل والإرهاب؛ كي يشعر كل واحد فينا بالأمان، وعبروا ببسالتهم عن بسالة هذا الشعب الذي ينتمون إليه وحموه بأرواحهم ودمائهم على مدار الساعة، وأقل ما نقدمه لهم هو احتضان الشعب وحمايته لهم وهي موجودة وملموسة، ولولاها لما كان ممكناً أن يعبروا عن وحدتنا الوطنية بصمودهم وبتماسكهم، وهذا ما سيدفع الأعداء للتركيز أكثر على تشويه تاريخ قواتنا المسلحة معتمدين على بساطة البعض ممن يتشربون المعلومة دون أي تدقيق.

ولم يكن خافياً على أحد عمليات التزوير التي تمت لإلصاق الكثير من الأعمال الإرهابية الشنيعة بهذه المؤسسة الوطنية، كما تم استغلال الأخطاء التي تحصل من وقت لآخر من قبل بعض الأفراد لتضخيمها وإظهارها كنهج تتبناه الدولة ومؤسساتها بشكل عام، وهنا علينا أن نفرق بين الأخطاء الفردية التي يرتكبها أي شخص ينتمي لأي مؤسسة في الدولة وأخطاء المؤسسة نفسها، فلا يجوز أن نعمم خطأ شخص أو مجموعة أشخاص على كل زملائهم، والخطأ يتحمله الشخص الذي ارتكبه حصراً؛ لأنه يعبر عن نفسه لا عن غيره ولا عن تعليمات رؤسائه ولا عن سياسات مؤسسته.

إن قواتنا المسلحة بناء عريق شامخ بنى الوطن ودافع عنه وحمى استقلاله وما يزال، ولا يجوز المساس برمز يعبر عن وطنيتنا ووحدتنا وشرفنا.. فباسمكم جميعاً أوجه كل معاني الاحترام والتقدير إلى الجند الميامين الذين نذروا أنفسهم فداء للوطن وأقسموا على الذود عنه فكانوا خير أمناء على قسمهم.

(تصفيق)

في الأسبوع الماضي وبعد مجزرة الحولة الشنيعة قاموا باتهام القوات المسلحة، وقالوا في البداية: إنها بسبب قصف مدفعي ودبابات، ولكنهم تراجعوا عن هذا الطرح فوراً؛ لأنهم شعروا بالاحتضان الشعبي وشعروا أن اتهام القوات المسلحة بالجريمة هو اتهام لكل مواطن سوري دون استثناء بأنه مجرم وإرهابي، فانتقلوا باتجاه الحديث عن ميليشيات موالية للدولة كما أطلقوا عليها التسمية.

إن ما حصل في الحولة والقزاز والميدان ودير الزور وحلب وأماكن أخرى كثيرة في سورية وصفناه بالمجازر البشعة والشنيعة والوحشية، وفي الحقيقة حتى الوحوش لا تقوم بما رأيناه وخاصة في مجزرة الحولة، وأعتقد أن اللغة العربية وربما اللغة البشرية بشكل عام غير قادرة على وصف ما رأيناه، ونحن كسوريين عايشنا هذه المرحلة وسنبقى نشعر بالخجل كلما تذكرناها طالما أننا أحياء، ونتمنى ألا تبقى في ذاكرة الأبناء والأحفاد بل أن تبقى الدروس من هذه الأزمة دون أن تبقى الصور والمشاعر موجودة في مجتمعنا.

ولو لم نشعر بالألم الذي يعتصر القلب ولو لم نشعر بالغضب الذي يصل حتى درجة الانفجار كما حصل معي ومع كل واحد منكم للمشاهد القاسية التي شاهدناها على التلفزيون وخاصة مشاهد الأطفال، إن لم نشعر بكل ذلك فنحن لسنا ببشر، وهذا هو الشعور الطبيعي الإنساني والوطني أيضاً.. وإذا أردنا أن نعزي فلا نريد أن نعزي الأهالي والأقرباء فالعائلات ذهبت بأكملها، بل نعزي أنفسنا بالمستوى الذي وصل إليه بعض السوريين ونعزي أنفسنا بالضحايا، ولكن نعزي أنفسنا أكثر بمستوى الإجرام الذي وصلنا إليه والذي هو مؤلم كألم الجريمة بحد ذاتها.

هل تدفعنا هذه المشاعر أم نقودها نحن؟ وهل تحركنا أم نحن نحدد إلى أين نتحرك؟ والمشكلة أن البعض يدفعه الغضب باتجاه تدمير الوطن، وهذا الشيء رأيناه في الأيام الأولى باليوم الأول أو الثاني.. لدينا فئة من الناس مع كل أسف ومرة أخرى أقول: إن هذه الفئة محدودة جداً، ولكن هذه الفئة منذ بداية الأزمة تسقط في نفس الفخ في كل مرة.. ففي كل مرة تسمع أكذوبة أو إشاعة ظهرت في قناة إعلامية أو على الإنترنت أو غيرها، وتبني مواقفها عليها وتدفعنا باتجاه تدمير الوطن.. فهل نريد أن نستخدم هذه المشاعر لحقن المزيد من الدماء وحماية المزيد من الأطفال.. وخاصة أن المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة وغيرها هم ليسوا مجرمين لساعة وليسوا مجرمين ليوم.. هم مجرمون بشكل مستمر.. هم يخططون بكل تأكيد لجرائم أخرى عندما تسنح لهم الفرصة.. فهل نحمي أطفالنا وأبناءنا ودماءنا من المزيد من الجرائم أم نحضر أنفسنا للمزيد منها؟ هنا يظهر الفرق بين الوعي الوطني وغياب الوعي الوطني.. لا نريد أن ننقاد بغرائزنا ولا بأقنية ولا بأبواق تطرح علينا الأمور من الخارج.

هذا ما حصل معنا في الثمانينيات.. وحاولوا أن يكرروه الآن، والبعض عاصر تلك المرحلة وربما هناك جيل لا يذكر هذه المرحلة، عمر هذه الحادثة إما في عام 1980 أو 1979 عندما قتل شيخان من طائفتين في مدينة واحدة وكادت تندلع الفتنة لولا وعي معظم الأهالي، وهذا ما يحاولونه الآن.

السؤال البديهي الذي نسأله في مثل هذه الحالة: من هو المستفيد؟ وهل قامت الدولة أو موالون للدولة بهذا العمل قبل زيارة كوفي عنان كي تفشل خطة عنان..؟ ونحن نعرف من يريد أن يفشل خطة وزيارة عنان.. هل قامت الدولة أو الموالون للدولة بهذا العمل كي تستجلب المزيد من العداء في مجلس الأمن الذي يطغى عليه اللون المعادي بكل الأحوال..؟ هذا الكلام غير منطقي.

القضية بسيطة وبديهية.. بدؤوا بمراحل في هذه الأزمة.. بدؤوا بحالة الثورة الشعبية التي توقعوا أن تندلع خلال أسابيع وفشلوا فيها حتى رمضان.. وبعد رمضان بدؤوا بالعمل المسلح وأرادوا منهم مواجهة الجيش والأمن والشرطة وفشلوا.. انتقلوا بعدها لمرحلة الاغتيالات والتفجيرات وإرهاب المواطنين بشكل مباشر وكان الشعب صامداً وفشلوا، فكان لابد من العمل على خلق فتنة طائفية.. أنا أعتقد أن هذه الحالة وهذا "الكرت" هو "الكرت" الأخير بالنسبة لهم وهو يدل على الإفلاس، أنا أدعو أولئك الأشخاص الذين يأخذهم الانفعال إلى الحد الأقصى في مثل هذه الحالات إلى أن يفكروا ويتفكروا بشكل عميق بكل ما حصل وبكل الأحداث التي مرت منذ بداية الأزمة حتى اليوم.

نحن نعيش في جو تزوير وقد يكون الإنسان صاحب قلب طيب يقول: إن كل ما يطرح صحيح حتى يثبت العكس وهل من المعقول بهذه الظروف أن كل ما يحيط بنا هو عبارة عن تزوير فقط..؟ يجب أن نقول: إن كل هذه الأمور تزوير حتى يثبت العكس.. ولذلك أنا أدعو أولئك الأشخاص الذين يأخذهم الانفعال إلى الحد الأقصى كي يغيروا طريقة تفكيرهم، وأؤكد على نقطة هامة جداً في هذه الأزمة: الأزمات تظهر المعدن الحقيقي للشعوب والأمم الحضارية، فإذا كنا حضاريين فأول ميزة للأمم الحضارية عندما يكون هناك ملمَّة أو أزمة حادة فيتوحد الشعب وليس العكس.. الأمم غير الحضارية تظهر ثغراتها ومشاكلها وانقساماتها في الأزمات.. فأنا أتمنى فعلاً أن نثبت كما نقول دائماً بأننا شعب حضاري ننتمي لواحدة أو لعدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض.

المطلوب اليوم أن نقف صفاً واحداً مع الوطن، ويجب أن يشعر كل واحد منا بأنه مسؤول عن القيام بواجبه لإنقاذ الوطن؛ لأنه خفير وشرطي وجندي، فالاعتماد على الدولة وحدها لا يكفي، فالأزمة ليست أزمة داخلية بل هي حرب خارجية بأدوات داخلية، وكل مواطن معني بالدفاع عن وطنه، وإذا تشابكت أيدينا اليوم فأنا أؤكد أن انتهاء هذا الوضع قريب بغضِّ النظر عن التآمر الخارجي، ولن نسمح للقادمين من خارج التاريخ أن يكتبوا شيئاً لم يكتبه التاريخ من قبل؛ وهو أن السوريين يوماً دمروا وطنهم بأيديهم.. لقد انتصرنا عبر التاريخ على كل الحاقدين وها نحن اليوم نرسم سوياً بسواعد الشرفاء وبمؤسساتنا الوطنية وببسالة جنودنا خطوط النصر الآتي لا محالة بإذن الله.

(تصفيق)

إن شعبنا الصامد تعرض لمحاولات التجويع والحصار والتلاعب بقوته اليومي.. فكونوا على ثقة بأن كل هذا زائل عندما نعمل معاً على تحقيق ما يحتاجه المواطن من عدالة اجتماعية تتجلى بتوزيع منصف للثروة وتكافؤ للفرص، والحصول على الخدمات الأساسية، ولابد من إنماء متوازن بين الريف والمدينة وتعميم شبكات الدعم الاجتماعي بهدف تعزيز وتوسيع الطبقة الوسطى في المجتمع.

كل ذلك بحاجة لإصلاح إداري يقضي على الهدر والفساد والمحسوبيات، والتسيب وضعف الشعور بالمسؤولية، وعلينا أن نحاسب كل من يحاول استغلال هذه الأزمة من أجل التلاعب بقوت الشعب، علينا دعم الزراعة كقطاع استراتيجي وكدعامة من دعائم استقرار المجتمع واستقلالية القرار الوطني، مع ضرورة الاستمرار في تعزيز وتحديث الصناعة، إضافة إلى دعم الحرف والصناعات الصغيرة والمتوسطة كأحد عوامل التوازن الاجتماعي ورافد مهم للناتج الوطني، والتي يجب أن تشكل القاعدة الأوسع لاقتصادنا، ولا يغيب عن ذهننا الطاقات التي استنزفتها الظروف الراهنة وأعاقت مسار التطوير بشكل جدِّي فعطلت مشاريع حيوية وأدت لاختناقات في توفير بعض المواد نتيجة الحصار الاقتصادي الخارجي إضافة إلى تخريب البنية التحتية من قبل الإرهابيين مما أدى لتراجع مستوى عدد من الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون.

وعلينا أن نعمل بشكل يومي للبحث عن موارد بديلة وترشيد الإنفاق، وإعادة ترتيب الأولويات وإصلاح ما تخرب من البنية التحتية، ولكن هذه الظروف لن تفتَّ في عزيمتنا بل ستكون حافزاً للمزيد من العمل، ولا يجوز أن تتحول إلى ذريعة للمقصرين لإلقاء تبعات تقصيرهم عليها بدلاً من القيام بواجباتهم.

أما الشباب الذين هم عماد الوطن وأساسه فقد بدأنا بتفعيل دورهم في كثير من المفاصل الاجتماعية والاقتصادية وحتى التشريعية، وأعتقد أن أصغر الأعضاء سناً في هذا المجلس لم يتجاوز الثلاثين من العمر، ولولا سواعد هؤلاء الشباب وعقولهم المتطورة لما كان لهذه الهجمة الحاقدة علينا أن تصدَّ، وكما شمروا عن سواعدهم ونزلوا إلى الشوارع متحدين واثقين بوطنهم يجب أن يشمروا عن سواعدهم لبناء الوطن وتحديثه.

والمهام تتجاوز الحدود فإذا كان البعض قد أرسل لشعبنا الموت والدمار، فنحن نريد أن نقدم لشعبه نموذجاً حضارياً يقتدي به لينال حريته وليصبح شريكاً في وطنه بدلاً من أن يكون الحاكم مالكاً للأرض وللشعب وللوطن، وعندها ستصلنا رسائل الإنسانية من إخوة في بلدان الحرية بدلاً من نصائح الديمقراطية التي تأتينا من بلدان العبودية.

(تصفيق)

بإرادتنا سنتجاوز المحنة وبوحدتنا سنقهر الأعداء، ولن يتمكن الصخب من تغييب صوت الحق ولا التضليل الحاقد من التعمية على الحقيقة التي تنطق بها الوقائع صادقة معبرة، ولن يتمكن الإرهاب الآثم من كسر إرادة شعبنا، وستبقى سورية الأبية عرين العروبة وقلعة الصمود وستسترد عافيتها وترد كيد الحاقدين وستشهد من جديد هزيمتهم المخزية.

(تصفيق)

إن المواطن الذي انتخبكم أيها السادة إنما يريدكم قريبين منه لا متعالين عليه، شاعرين بآلامه ومحققين لطموحاته لا طامحين لجاه خاص أو لمنفعة شخصية، فلنضع اليد باليد والكتف بجانب الكتف ولننهض بالوطن، ولنجعل الدور التشريعي الأول انطلاقة للورشة الكبيرة التي أردناها لسورية المستقبل.

كونوا على قلب رجل واحد أمام مصلحة الوطن والمواطن، حتى لو اختلفت رؤاكم فالمسؤول الحقيقي هو الذي ينبض قلبه على وقع نبض شعبه، والبوصلة دائماً لنا جميعاً هي سيادة سورية واستقلال قرارها وسلامة ترابها وكرامة أبنائها، وتذكروا أن الفرد زائل والشعب باقٍ، وأن المناصب متغيرة والوطن ثابت.

 أتمنى لكم كل التوفيق في مهامكم في هذا الدور التشريعي الأول.

والسلام عليكم ورحمة الله.



عدد المشاهدات: 1358

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى