مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

ملهاة الإنسان... د. نبيل طعمة

الأربعاء, 23 شباط, 2022


تنتشر بين أبناء العصور المتأخرة مواكبةً التطورات الحضارية المتسارعة، الذين لا يرغبون في التسليم بأن الحضارة لن تبلغ كمالها على الأرض من غير الحزن والدمار والإثارة، وأمثلة الشعوب كثيرة، حروب صغيرة وكبيرة، ثورات فكرية ومعمارية وصناعية وفضائية وهي مستمرة إلى الأمام، ومتى كان لأي مجتمع بشري أن يتمدن من غير أن يقسو على نفسه وعلى بعضه، ليتخلص من ربقة التشرذم والإيمان بضرورة المسير إلى الأمام؟
هل هناك من شعب لا يبحث عن التقدم؟ وأكثر من ذلك، ألا يقول الجميع بأن علينا أن نتقدم أو يكون التأخير نصيباً، لأن الجمود والمراوحة في المكان أمر مستحيل؟ وعندما يخطو المرء الخطوات الأولى فالمتابعة تكون لزاماً عليه، ومعها يكون تنظيم شؤون المجتمع والأمة أفضل من تركها تعبث بها يد الفساد والفوضى. هنا أسأل: إذا كنا نؤمن بوجودنا، وأننا حقيقة قائمة، أفلا يجب علينا أن نعمل له؟ ومنه أقول: إذا كانت الصحة مفضلة على المرض، ألا يجب علينا أن نهيّئ لها أدوات ومستلزمات الحفاظ عليها؟ وإذا كان إيماننا مبعث رجاء وأمل، أفلا يجدر بنا أن ننشره بين الضالين والشاردين، بدل أن نحصره فقط بين المؤمنين؟
لا يمكن أن تحلَّ المدينة محل الأرياف البريئة، التي تكون جمالاً من الطبيعة ومساحة للتأمل بكون انفتاح أبعادها، ما يسمح لإنسانها بالنقاء الضروري لالتقاط الأفكار، وصحيح أن الطبيعة الريفية قد تخلّص روح المخطئ، بيد أنها في الأغلب ولقلة خدماتها تفسد خلقه، وإذا حصل أفسد خلقها.
هل تقدمنا التقدم الصحيح باتجاهها؟ هل نحتاج إلى انتفاضات فكرية تعيد لنا حضورنا في هذه الحياة؟ نرسم من خلالها الشخصية المؤمنة، بما نقف عليه، وأقصد أرضنا وإنساننا، ونظهر أيضاً شخصية ثقافية تتقدم مشهدنا الحالي، وتحررنا من قيود ما نحن عليه ومن آلامه وأباطيله وضلالاته.
الجهل والتخلف خصمان عنيدان جداً، ومن يستسلم لهما ويدخل متاهتهما ويفقد الإرادة والإصرار يتحول إلى تابع وقابع في المكان، ومن يسابق الزمن، ويتعلم من فوائد العلم، يتطور ويضع قدماً على طريق الحياة، لأن طريقها يحتاج للعمل، وبشكل دقيق هو طريق العمل، ومن يتّكل على الأمل فقط يتقلص زمنه، وينتهِ إلى غير قيامة، وإذا أتت المعرفة قبل أوانها فخذ بها لتأخذ بك إلى طريق الحضور الذي يحتاج إلى الحركة التي تعني أنها كل شيء في الحياة.
الشعوب المتأخرة تقتات على الفتن التي تؤجّجها الظلمات وتحرقها، بل تفنيها الأنوار التي تسعى دائماً لمحاربة حضورها، لأنهم يعتبرون التقدم والتطور خطراً عليهم، ولذلك يحاربون من أجل بقائهم في التخلف الذي يعتبر التعلق بالفتنة من أهم بنوده، لذلك أتجه لتأكيد أن الخلاص يكون دائماً ببذل الجهود لرفع مستوى الوعي، الذي يؤدي حتماً إلى رفع مستوى التذوق الجمالي للحياة القادم دائماً من ملحمة انصهار الشخصية الواعية بالقوة الخلاقة، مع فهم الخلق المتوافر في الحياة، بهذا الذي لا يقل أهمية وجمالاً عن الجمال بحدّ ذاته، وعندما يصل المرء للجمال أو فهم وجوده في الحياة تنحسر الخطيئة، ويتضاءل القبح، وتتفكك الفتن، وتتحول الملهاة إلى طاقة تدفع إلى العمل وتطوير الحال، أي تحدث الحركة بعد السكون والانطلاق إلى الأمام بعد الهدوء.
ملهاة الناس تتحرك بقوة، وتنشط كلما ساءت أحوال الناس المادية، تنتشر النكات وتكثر الاتهامات، ويغالون بالتهكمات على بعضهم، تسود الفوضى الفكرية، وينتعش عالم الخطيئة القادم من صنوف عبثية عوالم القهر، وتفقد المجتمعات جلال العمل، بأن تسترخصه؛ أي باللجوء إلى إفساد كل شيء، وبهذا يعمُّ الفساد، وينتهي تمجيد العمل الذي أعتبره ضرورة لا مندوحة عنها لاستمرار الحياة، وأيضاً يضائل كسب رضا الآلهة إلى درجة كبيرة باستثناء العلاقة الشخصية، التي تتسم دائماً بالأنا.
إنَّ التحول إلى سياسة الإنشاء عبر الوعد والانتظار في أحوال الناس المادية يعتبر المؤسس الرئيس لبذور الفتنة الطبقية، التي تحضر من هذه العبثية المفرطة، أو ما عنونته بملهاة الإنسان، الذي إما يعود إلى لهاته الأولى، أو يتبهلل من خلال ما أعتبره ملهاة، وغايته إما إخفاء الحكمة المنشودة، وإما ستر تخلّفه الواقع فيه.
 د. نبيل طعمة


عدد المشاهدات: 2867

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى