مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

العقيدة العربية ..د. نبيل طعمة

الأربعاء, 19 شباط, 2020


بالتأمل والتحليل تكتشف أبعاد أي معاناة، وتضع ملاحظاتك عليها بقصد إيجاد الحلول لعلاجها، والحالة الوحيدة التي لا يمكن الإجابة عنها هي الموت، الذي اعتبرته الكائنات الحية وأهمها الإنسان شرطاً رئيساً للاستمرار الخلاق لحياتها، والذي يسمح لنا بالبحث عن وفي كل شيء، وإذا خضنا في معنى الحياة فهذا يعني أن نفكر في كيف نبقى أحياء إلى أكثر مدى ممكن أمام رعب ما يجري من محاولات إنهاء حياة الإنسان بيد الإنسان؟

 هذا يقودنا إلى سؤال عن حجم تعجبنا من حياة الإنسان وباقي المخلوقات على هذه الأرض وماهية تاريخه وتاريخها المثيرين حتى اللحظة للجدل حول البداية الكونية وما فيها، وهل اخترع العقل الإنساني البداية؟ وهل العرب كانوا مع بدء الخليقة؟ وما حجم تأثيرهم فيها؟ ولماذا ظهرت النبوات والرسالات وجميع الأنبياء والرسل في هذه المنطقة المسماة الشرق الأوسط أو أرض العرب؟ وكل ما فيها من نوازع وهواجس وأفكار وإيمان وتدين بالعقائد المختلفة، وأهمها فيما بعد التأليهية والتوحيدية، التي انقلبت على التنوع القديم وريادة النساء كآلهة قبلها، ومن ثمّ حضور النبوات والرسل والمقدسات وأسباب حضورها، وما ماهية حاجات الناس الواقعية والملحة لها والبحث عن سبل إرضائها، ومن ثم إقناعها بطرق عادلة وصحيحة، وحجم الصراعات التي بدأت على هذه الأرض، ومازالت مستمرة حتى اللحظة التي أخط بها كلماتي وعلاقتها بالمقدس والمدنس، ومن أجل كم احتاج الإنسان من السنين لإدراك ما يحمله من عقل قادر على البحث في الحياة بكل ما فيها، ومن ثمّ إسقاطه عليها عبر منتج، وأيضاً كم احتاج من الكم الزمني ذاته في تلك السنين، ليدرك أن ما لديه متوافر أيضاً لدى الآخرين من جنسه ومن غيره أثناء حياة الإنسان؟ وهي الأهم، حيث يربح العديد من القضايا أو يخسرها بسبب اعتباره لنفسه موجوداً اعتبارياً، ولا يهم أن يرد إليه بعد موته، لأنه ليس موجوداً، وبحثنا تأملاً وتحليلاً عن الحقيقة هنا، هي حقيقة الإنسان وتناقضاته بين الإنسانية والبشرية وبين الشخصية، من حيث إنها صورة منظمة متكاملة مع سلوك الإنسان وحركته، وهل هي شخصية موضوعية، أم إنها حالمة خالية متعلقة بالخوف الذي ينتهي بوصولها إلى آخرتها المسلوكة في اللا منظور، وعبرها نجده يحيا المأساة التي تختص بفواجع القادة والعظماء والنبلاء والمشهورين والملهاة التي تثير الضحك، لكونها مستمدة من البيئات الواقعية، ويتداولها المجتمع، ومنها الفردي، وتنطبق على الجماعي.

ما أخطه تحت عنواننا غايته فهم العروبة التي تشكل نقطة انطلاق في مستقبلنا المادي واستقراء مفاهيمها، التي نكتفي بتداولها بدلاً من فهم ضرورة تسخيرها التي أعتبر إن اتجهنا إليها حققنا خطوات باتجاه الدخول لعصر النهضة خاصتنا العربية، بعد إزالة الالتباس القادم عليها من مصطلحات الجنسية والقومية والوطنية التي تنشئ الخلاف اللفظي المؤدي إلى أي منها نفضل، وهذا لا يحدث إن لم يقرر المسؤولون عن الأمة مجتمعين أو كل في قطره بالأخذ بهذه القيمة وفردها بالشكل الأمثل، وإذا سألنا ما العقيدة العربية؟ هل الإسلام مكونها الرئيس أم لغتها أم مجموع الأحياء على جغرافيتها وتراكمهم التاريخي الذي غدا مكوناً رئيساً من مكوناتها؟ ناهيكم عن عناصر جمعها المهمة التي أراها في العروبة، هذه التي أعتبرها أهم عقيدة حاضنة لترفعها عن الأديان والقوميات والإثنيات ودعوتها للتحضر والتطور وفرقتها المنتشرة بين مفاصلها، هذه التي تنتشر بينها بسبب التقوقع خلف الطوائف والمذاهب والعقائد، ونحن هنا لا نريد الخوض في التاريخ الممتلئ بالتحريض على اختلافها، الذي صُوّر على أنه مشترك فيما بينها، بل لمناقشة الواقع القائل: نحن الآن أبناء الحاضر، وتصح مقولة الماضي ينبئ عن المستقبل، إلا أن صناعة الحاضر في اعتقادي هو ما يؤسس للقادم، وبالتأمل والتحليل نجد أن التردد يقتل الفرص، وكلما عظم التحدي اشتدت الحوافز للنجاح والخلاص، وبهما يتسع الوعي الذي يثبت أهميته، ليس على المستوى الفردي، وإنما على مستوى المجتمع وإدارته، وإذا حاصرتك الظروف يجب ألا تحاصر نفسك ضمنها، وإنما أن تبحث عن مخارج تسمح لك بفك المطبق عليك، مع مراعاة فك عقدتي الفاقة والترف، اللتين تهيّئان لحدوث الأزمات، ومن ثم الوصول إلى الحصار الذي يطول في النتيجة شكل الدولة وعقيدتها وانتماءها، لما تريد أن تكون عليه، لا إلى ما كانت منخرطة فيه، والحياة معنى وصورة، فإذا تمّ المساس بالمعنى أدى ذلك إلى تشويه الصورة، والصورة والمعنى شوّها كثيراً ما يدعو الجميع للبحث في جوهر العقيدة.

العقيدة العربية التي لم يصل أفرادها الظاهرون عليها والقادمون منها، باعتبارهم المكون الرئيس لمجتمعاتها، لتأسيس قواعد تسير عليها حتى اللحظة، بسبب الصراعات الظاهرة والخفية بين حقيقته وحلمه، بين واقعه المعيش وخياله، فهو يحيا لعبة الحلم في عوالم الشمال، يموت معه ضمن واقعه المؤلم، الذي لا يرى بوارق فيه، وفي الوقت ذاته بقي يتمسك بحلمه ويتناقله، معتبراً أن الحياة بلا أحلام تفقده وجوده، وعالم الشمال برمته بعيد كل البعد عما يفكر به العرب، لأنه يعلم أن طبيعتهم ترفضه، رغم احتياجها إليه، لذلك تجده سريع الإحساس بالفزع من هذه الطبيعة، وسريع اللجوء إلى السلاح، وسريع الإصابة والقتل بصمت أو بصراخ وعويل، وهذا إن دل فإنما يكون نتاج استمرار الجهل وسواد الوهم والتعلق بالمعتقدات والخرافة، ومع تراكم الأفكار غير السديدة، والتعمية على المغالطات تتوّه المجتمعات، وينتشر فيها فساد الأخلاق، هذه وحدها التي تحجب الحقيقة، وهنا أؤكد أن خروج إنساننا العربي على واقعه وبحثه عن الحقيقة من أجل تحرير نفسه من الأوهام والأحلام المزيفة والخرافة يحتاج إلى كسر كثير من المحرمات الدينية والجنسية والسياسية، رغم ما يشكله البحث فيها من مخاطر، والسير فيها ممتلئ بالألغام، وأن الإرادة لخوض ذلك تمنح فرصة ذهبية لتبنيد عقيدته وبناء شخصيته وتحويل فكرة من اتكالي أخروي إلى إبداعي إنتاجي.

لاحظوا أن الشعب العربي تتحد أفكاره، وتتقارب لدرجة مهمة، ومعه تجدون أن صوته يعلو باتجاه تقدم الأفضل من الخطط والأفكار التي يجزم أنّ رفضها لن يكون من الغوغاء، لنؤيد أننا كنا أمة عامرة، وانحدرنا إلى الحضيض، وتشرذمنا بين الصغير من الدول والكبير، ألا يجب أن ننهض من جديد؟ أولم نشهد حكومات صغيرة صنعت دولاً عظيمة، وحكومات هبطت بالدول العامرة إلى الحضيض؟ فإذا أحسن التدبير كان اتقاء المزالق والمآزق، وزودت الأمة بالقوة والعدة والعديد، فتقدير القياسي والتناسب مدعاة لمراجعة ما نحن عليه، فإنساننا له مداه في الحياة، وإنه ليعاني الموت مرات في اشتهاء ما يريد الوصول إليه من صميم قلبه، كالوصول للحد الأدنى من الرفاهية وسواد القانون وطموحه المستمر لبناء منزل وتربية الأبناء وتعليمهم وإنجاز أعماله بالشكل الجيد، وكم من شيء ينجز ويقارب الإعجاز إن كان موفور الكرامة المتوازنة، ويشعر أن ليس في وسعه الانحناء كثيراً والنزول إلى التوسل والرجاء كل الوقت أو طوال الزمان، هذا الذي إن لم يتحقق يقتل مفهوم العروبة، ويهتك شخصية العربي، ليس في موطنه فقط، وإنما أمام العوالم الأخرى.

بات الخجل يرتسم على الوجه لحظة أن نسأل: من أنت؟ من أين أنت؟ وهنا أسأل: من نحن؟ وأين نحن؟ ومنه أتمنى أن يتداعى الساسة، ويدعو المفكرون والمثقفون والإعلاميون لفرد الاختلاف حول مشروع العقيدة العربية وإصلاح مفاهيمها وتقديمها بالشكل الذي يليق بحضورها، وعسى أن تكون التجارب والأزمات المريرة قد سرّعت إفادتنا.



عدد المشاهدات: 7716

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى