مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الإرهاب الأمريكي.. د. نبيل طعمة

الخميس, 11 تموز, 2019


أمريكي حصراً، فالذي يدعي أنه يقود العالم، وأنه الأقوى والأعظم والأول، يكون مسؤولاً عنه، فهو المنبع والراسم لتوجهاته مع من يدور في فلكه، وهنا لا أدعي استنفاد الكلام حول موضوعنا، لكن يمكن اعتباره رؤية على بعض مواضعه، واستيفاء البحث فيه لا يحتاج إلى مقال أو بحث فقط؛ بل إلى أكثر من مؤلف ومجلدات، لذلك أجده ومن دون مقدمات أن هدفه الرئيس احتواء سعي الشعوب لنيل حريتها، ومنع تعزيز استقلالها ومصادرة امتلاك قراراتها السيادية، تستخدمه تلك الهالة المتجسدة في الآلة الأمريكية الكبرى، التي فرعت عنها آلات زرعتها في القارات الخمس، واعتبرتها وسائل لتحقيق هيمنتها المستندة إلى أهداف سياسية واقتصادية، وتتجلى غاياتها في إخضاع القيادات الوطنية لهيمنتها، أو إحلال أنظمة تابعة لها بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن خلاله تحصد الكثير الذي منه يكون تقوية بنية التسليح ومنع الانهيار الاقتصادي في الغرب وأمريكا، ومنشطاً مهماً لدوران عجلة الإنتاج لديها، من خلال توفير فرص العمل وتراكم رأس المال، والأمثلة أكثر من واضحة، وغدت بدهية، فالذي حصل في العراق وليبيا وتونس ومصر واليمن لعشر سنوات، وبشكل خاص مع سورية، والآن السودان والجزائر وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وإيران، ما هو إلا عمليات تدمير مباشر وممنهج، هذا الذي أدى ليس إلى إيقاف التقدم في هذه البلدان، وإنما عمل على تدمير أفكار التطور فيها مع تدمير البنى التحتية وتغيير البنى الفوقية قيادات وإدارات ورئاسات بالقوة الناعمة أو الخشنة، لماذا؟ لأن هذه الدول سعت إلى إحداث قفزات في بنيانها المادي واللامادي بإرادة الاكتفاء الذاتي والقبض على قرارها السيادي بقوة هذا الذي من دونه يبقيها تابعة.

أيضاً نأخذ منظومة الدول الخليجية التي وقعت في حبائل هذا الإرهاب، رغم أنها مستسلمة في قرارة حضورها للسيطرة الأمريكية والأوروبية الغربية، وشهد الجميع آليات نهبهم وبشكل علني، ليحصد الإرهاب تريليونات الدولارات مجاهرين بأنها خفضت نسبة البطالة لدى مجتمعاتهم، وأدارت حركة الإنتاج عندهم بشكل فعال.

إن سياساتهم تستند إلى سياسة الهيمنة الأمريكية على العالم، متلاعبة بلغة العالم الحر المؤمن بالفكر القدري أيضاً، الذي اتخذته شعاراً لها، والذي يقول: «إن السماء هيأت دوراً خاصاً لأمريكا للتدخل في شؤون العالم» وإنهم يثقون بالله، ودائماً نجد أن التبريرات العدوانية والإرهابية تستند إليه، إضافة إلى قولها الدائم إن قدر أمريكا أن تكون قائدة للعالم.

يقول الأمريكيون: من يملك مناطق أطراف القارات يسيطر على آسيا وأوروبا، ومن يسيطر على هاتين القارتين يقُد مصير العالم، ويصبح بيده قدر العالم، لذلك نجدها عقدت الأحلاف في هذه الأطراف، وأولها حلف الناتو، وهو حلف شمال الأطلسي عام 1949، الذي ضم الدول الاستعمارية القديمة الحديثة، حيث قام لمواجهة حلف وارسو روسيا والدول التي توافقت معها في فكرة الاشتراكية الشيوعية، الذي انهار مع الفكرة، وحلف السانتو، ويعني حلف بغداد المركزي عام 1955، وحلف السياتو في مدينة مانيلا عام 1945، وحلف منظمة الأنزوس عام 1951، وحلف الأسباك 1966، وضمن الواقع الراهن قوات التحالف الغربي العربي، والآن تطالب دول الخليج بإيجاد حلف أمريكي مع الخليجي، وهكذا تكون أمريكا قادرة على تنفيذ تدخلات عسكرية أو غير عسكرية في أي نقطة في العالم، وبشكل أوتوماتيكي لحظة شعورها بأي تهديد يطول مصالحها.

قال أيزنهاور الجنرال والرئيس الأمريكي: لا يوجد في العالم منطقة أكثر أهمية من وجهة النظر الإستراتيجية من الشرقين الأدنى والأوسط، كان هذا في مقتبل خمسينيات القرن الماضي، وقصد بذلك الإمبراطورية الإسلامية التاريخية والوطن العربي، هذه الجغرافيا بما تملك وضعتها أمريكا هدفاً رئيساً لها بعد أن كانت أوروبا تستعمرها بشكل مباشر، ومارست عليها ضغوطاً لإخضاعها ووضعها تحت تابعيتها، والذي لم يستجب لها راحت تشاغله بالأزمات الجوهرية عبر الدولة الناشئة التي أرادوها أن تكون آلة ميكانيكية شكلت الكيان الصهيوني "إسرائيل"، وإذا اقتضى الأمر شاغلوا الدول بعضها ببعض، عربية عربية أو إسلامية إسلامية، وصولاً إلى مشاغلة الدولة الواحدة داخلياً عبر اضطرابات دينية أو عرقية أو إثنية أو أيديولوجية.

سورية التي تقف في وجه هذا الإرهاب الذي لا يتوقف، غايتها إدراك العرب أولاً وأخيراً لسبل كفاحها ضده، وتعريفه وتعريته أمام الإنسان العربي بشكل خاص والعوالم الساعية للخلاص منه، ففي سورية التي جهدت في مكافحته خطط وخطوات، صور ونماذج ونتائج، حريٌّ بالجميع أن يطلعوا عليها، ويتدبروا شؤونهم، ولا ضير في أن يقتبسوا الصالح المفيد لهم منها، فتشابه الأحوال حاصل إلى حدّ كبير نظراً لوحدة التاريخ الديني الذي فرض ثقافته، وأجرى الدم الواحد في عروقهم، وقارب من أخلاقياتهم، وواءم بين سياساتهم، ألا يدعو كل هذا الإرهاب لإحداث صرخات الرفض المدوية في وجه الأمريكي خصوصاً، والغرب عامة، لكونه نكث كل ما نادى به من مبادئ الحق والعدل والإنسانية، وحق الأمم في أن تحيا حريتها واستقلالها وسيادتها؟ أم إنها شعارات أخفى خلفها طمعه واستغلاله ونهبه لممتلكات الشعوب وقيمتها؟ ألا يدعو ذلك جميع العرب للنهوض من أجل استرداد حقوقهم؟ فوحدة الكفاح والمقاومة إذا رافقها العزم مع الحزم والإيمان وقادته قيادات مؤمنة ومخلصة غير مساومة ولا تابعة، فالتتويج بالانتصار والخلاص يغدو حقيقة واقعة.

القوة تستدعي التحدي، فإن لم تجدِ فإنها تصطنع أمامها تحديات هذه التي تفرض عليها المساومات، فإن لم تستجب تختلق المشاكل المبرمجة مسبقاً، والمعدة لها بشكل استثنائي، لذلك أجد حتى اللحظة التي أخط فيها هذه الكلمات أنه لم يصل أحد لتعريف الإرهاب بشكل دقيق، ولم يلقَ الاستجابة للكثير من الدعوات لوضعه على طاولات البحث وتعريفه، والسبب أكثر من واضح، والذي نشتغل عليه يوضح الكثير من الأسباب، على الرغم من وجود آلاف العناوين التي ملأت الصفحات العالمية والعربية والمحلية، وكان الإرهاب العنوان الرئيس على صدر صفحاتها، لكن من دون أي جدوى فعلية، وأيضاً لم تجرؤ الكثرة من الكتاب والنقاد والمفكرين والصحفيين وحتى الساسة الإشارة إليه مباشرة، وأن أمريكا بعينها مبدعة أفكاره وحاضنته الرئيسة والداعمة له، لأن مصالحها تعتبره من أهم أسباب وجودها واستخدامه بين الفينة والأخرى، يعني لها تحريك المياه الراكدة والنفخ في الرماد، لتظهر النيران التي تعمل إما على تأجيجها، وإما على إخمادها، وفي الحالتين تكون المستفيد الرئيس من مجرياتها.

إن أهم أدوات الإرهاب الأمريكي يكمن في إعلامه ومؤسسته الهوليودية، أي إنتاجه الدرامي والسينمائي ومختبراته الطبية، التي تعمل على إظهار أن الأمريكي منقذ العالم من شروره وآثامه وأمراضه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية، ومقاومة كل ذلك تكون بالوعي العلمي والثقافي.

هل أدركنا حجم إرهابهم الذي وجد ضالته في أولئك الموعودين بالآخرة المالكة للخلاص الذاتي، التي فيها يجد الإرهاب فراغاً وعطشاً فيملؤه؟ فالإرهاب ليس فكرة عابرة؛ بل علم تخصّص به الفكر السياسي الأمريكي، الذي يعمل على إعادة المجتمعات إلى الوراء، بعد أن يعود إليه ويدرسه بدقة، ويتصل به مقدماً إياه على أنه الأنموذج الأمثل لحياة الشعوب البسيطة، التي من دون أن تدري تدمّر كل ما تملك بوعي الماضي، فهل نجد طريقاً ونهيّئ ظروفاً في مجتمعاتنا العربية وبشكل خاص السورية منها، نعلن من خلالها ميلاداً جديداً يأخذ بالجميع إلى حياة لا احتضار فيها، إنما شعارها العمل والإنتاج والحفاظ على الإنسان الذي به تكون الحياة، وبه نقاوم الإرهاب، أمريكياً كان أم غيره؟

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 6679

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى