مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

بناء الوطن.. د. نبيل طعمة

الخميس, 20 حزيران, 2019


الوطن السورية

وتحقيق نهضته ومراكمة إيمانه والحفاظ على قواه من أجل استثمارها وقت الشدائد، لن يحدث هذا إلا من خلال تقديم التضحيات الجسام والترفع عن صغائر الأمور لمصلحة إعلاء مجد البلد وتعزيز مكانته وإبراز هيبته ومنعته.

هل الأمة خائفة وهل تعبّر خطاباتها عن ذاتها؟ توقفت عن التفكير في بناء ذاتها وتحررها من التخلف، لتتمسك بلغة القدر، ماذا فعلت الكارثة التي وقعت بها؟ وكيف بنا نواجه الخرائب الفكرية والمادية؟ ألا يجب أن تدفعنا إلى النهوض ونفض غبار التخلف والتبعية؟

أغفل بصرنا بناء المجتمع، واقع يحتاج إلى أناس متفوقين، توكل إليهم مسؤوليات هي ليست بالسهلة لإدارة الأعمال الجسام، فنحن اليوم واقعون بين مفصلي النهاية الحتمية للكوارث والإمساك بأطراف البداية، لأن استعادة عملية التطور والسير على سبلها من جديد ستكون طويلة وشاقة ومتعبة، وجميعنا غدا يعلم حجم التهديدات التي أثقلت كواهل القادة، فكيف بالمجتمع؟

 لقد تحدث المتنبئون كثيراً عبر حركة التاريخ السابق لوجودنا، وانتاب المجتمعات، نتاج ما تحدثوا به، الذعر عبر عودة البربريات القديمة إلى الحاضر، وها هي تحدث وتصيب مجتمعاتنا في مقتل، لأننا لم ننتبه إلى الحقائق التاريخية، فوجودنا غارق ليس في الخطيئة فقط، وإنما في تنوّعها.

إن ضرورة بناء الفكر الإنساني أصبح أكثر من مهم، لأن الإنسان الذي لا يقبل أن يتغير نحو الأفضل فإن تقدمه مستحيل، فالتاريخ لا تصنعه الشعوب، إنما القيادات على إدارة شؤونها، وهذا يتحقق نتاج اختلافات النخب على مراكز قوى صناعته، في النتيجة الشعوب هي الخاسرة، وحينما تفكر تعلم أنها لم ولن تربح شيئاً، إلا أن بقاياها نتاج أي صراع حاصل هي التي ستستمر، فكيف تستمر؟ وهنا تظهر قدرة الدولة على بناء إنسانها الذي عليها أن تستخرج منه كل طاقاته، من أجل الإسهام في بنائها من جديد، لأن الإنسان لا بديل منه في تكوين أي مجتمع، وهو بحدّ ذاته يرسم معالم الدولة.

يخضع تنظيم أي مجتمع لدراسةٍ نوعيةٍ عن آليات حياته وسبل حركته، وأكثر من ذلك يرتبط بمجريات فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور تحكمها درجات التطور والتخلف، والمجتمعات العربية تلاحظ من دون ريب درجات تخلفها للمجتمعات التي تحيا في البلاد المتقدمة، وأيضاً يعلم إنسان هذه المجتمعات أن الذي يفصل بين الشعوب ليست المسافات الجغرافية، وإنما المسافات العلمية والحقوقية ونظم الحكم، كذلك نجد أن مجتمعاتنا لديها عُقدُ التشاؤم والنقص والفاعلية الاجتماعية، رغم أنها مجتمعات دينية، سكن فكرها الغيبي والآخرة، ولكي نصلح ذلك ونسير إلى التطور علينا الاعتماد على المقاييس الفكرية، لنعرف أين نحن، وما قدراتنا؟

لذلك أجدني أصرّ دائماً على بناء الفكر، لأن الجسد يبنيه رغيف خبز، الأفكار وحدها تحل المشكلات، وتجلب الحضور، ومجتمعاتنا العربية تعتقد أن الحلول بالمدفع والطائرة الحربية والصاروخ، وتعتمد للحصول عليها على البترول والمواد الدفينة، من دون القدرة على استثمارها وتصنيعها.

إن ما نرومه من كل ذلك هو الوصول إلى عملية إدراك أين نحن؟ وأن نصل إلى فهم الأشياء من حيث ماهيتها والوجهة التي ينبغي أن نتجه إليها، ونبني عليها، فالشيء لا يعد موجوداً بالنسبة لشعورنا إلا عندما يلد فكرة تغدو برهاناً على وجوده في عقلنا، فهل مازلنا نصر على أن الشيء هو شيء من دون تعريفه، وهذا أعتبره إن لم نتجه لتعريفه من أهم أسباب تخلف إنساننا؟ وما أدعو إليه هو البحث في المجال الحيوي، فإذا لم نقم بذلك تحولنا إلى شبه إنسان، وهذا ما ندعوه التخلف، هذا التخلف الذي يغرق الإنسان في اللامبالاة التي تدفعه ليس لهدم ذاته فقط، وإنما لهدم مجتمعه، وهنا أيضاً أؤكد أن لا ضير في أن يتعلق الشيء الإنساني بشيء آخر، يطلق عليه الإلهي، ما يأخذ به لفهم واقعه واستيعاب عصره وأدواته، ففقد الإنسان إحساسه بإمكانية البناء أو استمرار محاربة بنيانه، وهذا يؤدي إلى فقدانه الإحساس بصناعة المجد واستسلامه لأفكار الآخرة وتواكله على الإحساس الإلهي به.

بناء الوطن يعني بناء فكر إنسانه، ويكون ذلك بإنهاء الخوف وتحويله إلى حبّ، والسعي لاكتشاف المجهول وتحويله إلى معلوم، بدلاً من اعتباره عدواً لا يمكن قهره، فالمنطلق الأخلاقي الذي ينبغي أن يعمم بين أفراد الوطن أهم من المنطلق الديني المتوقف عند الماضوية، فالأخلاقي يعتبر الدين بنداً من بنوده، يستهوي بذلك الفكر الاجتماعي، لكونه تكوّن من الأعراف والتقاليد وما عمله الإنسان، أيضاً تعزيز العمل وإتاحة الفرص يؤديان إلى تخفيف عذابات الأفراد وبناء أركان السلام الصحيح، لأن الفكر الإنساني على عداوة مع الحرب، ويتمسك بالعدالة وإيمانه بأن قدراته تسمح له التفكير بالفطرة والعمل من تلقاء ذاته، شرط أن تقدم له التوجيهات التي يجب أن تكون مساعدة، فالتجارب الإنسانية بشكل عام والوقائع تشير إلى أن الفرد هو أساس إنتاج أي حضارة، والتفريط ببناء الفرد يعني التفريط في أسس بناء التحضّر وإظهار أنواع جديدة من الحضارة، والإنسان لا يستطيع تحقيق أي تطور بشكل مفاجئ، ولا يمكن إلباسه أفكاراً مستعارة غريبة عنه، لأن تفاوت درجات النضوج وعدم استيعاب حاجاتها يؤديان إلى فشل أي بناء.

لا شك أن هناك تحديات كبرى في بناء فكر إنسان الوطن، تتجلى في دحر وتحطيم كثير من المبادئ الأساسية التي سكنت العقل الفردي للإنسان العربي، هذا الذي تكوّن من تاريخه الديني وعلاقاته السياسية والاقتصادية، حيث أنقذته حرية الرأي الوطني وقيامه بالنقد الموضوعي، فظهر الفرد بأنه يحيا لمصلحة نفسه لا لمصلحة وطنه، واعتبر الدولة وسيلة وليست غاية، ورفضَ فلسفة الحوار، ففقد القدرة على التسامح وإعلاء شأن الحب، فكان ولاؤه لله، وغير ذلك يعتبر كفراً، فلم يستطع التطور، ولم يسهم في إحداث عملية التطور، ليبقى هذا الإنسان فردياً، لم يؤمن بوحدة الأخلاق، لأن تعلقه ديني، ولم يستخلص من الإحساس الأخلاقي الكلي بأنه لا ينمو ولا يتطور ولا يتقدم إلا إذا آمن بالمجموع مهما كان متنوع التدين، لأن إيمانه بذلك يعني إيمانه بكل شيء، بدءاً من الإله وانتهاءً بالحياة، وهذا يدل على أن تقدمه وقوته هما أهم اختبار لمدنيته ومقياس تطورها المتحرك.

إن لزوم تغذية الشعب بالآمال الدينية من الدولة يشكل لها ضميراً مرتاحاً إلى حدٍّ ما، لأنها تعتبر إنسانها أهم مادة أولية لديها، فإن لم تقم بتصنيعها بالشكل الأمثل وأعطته بقدر ما تريد أن تأخذ منه، انقلب عليها، وذهب إلى الانفلات، فصناعة التماسك الاجتماعي أكثر من ضرورة، لأننا إن أجدناها استطعنا أن نبني حضارة، ولا يمكن لأي إنسان يحمل خيالاً سلبياً في فكره أن يبني أو يسهم في بناء وطن جميل دون حالتي الإحساس بوجوده الإنساني والأمان الذي يجب أن يحياه فيه،  فالأفكار تشكل النول الذاتي الذي تنسج عليه الأعمال الإيجابية والجميلة، وتنعكس على المجتمع والدولة، ومسار الأفكار يحتاج إلى توجيه وإصلاح، لأنه في النتيجة يشكل قوة في التأسيس وتوافقاً في المسير ووحدةً في الهدف والمصير، فإذا لم نصل إلى فهم هذه المقتضيات تكون حلولنا عرجاء، تنهك عمّاله، وتفقد الدولة قدرتها على تقويم الأخطاء، أو تتوه في البحث عن أين أخطأت، فالوطن والمواطن وحدة لا تنفصل، وهما الفكر والأرض، فالإنسان هو الحركة والمحرّك، لذلك يجب العمل على تطويره وصيانته بشكل دائم، كي لا تضيع الأرض التي تمثّل الوطن.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 5904

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى