مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

تحرير أوطاننا... د. نبيل طعمة

الخميس, 4 نيسان, 2019


العربية منوطٌ بالتحرُّر من غرائزنا الحاقدة التي تحولت إلى شريرة شرسة حين تفزع، وإلى مخدر مثبط للهمم حين تهجع، لذلك أقول: بنيت المدارس والجامعات خوفاً من الجهل، وبحكم الحاجة للعلم والإبداع والتطور، ولو أنَّ دور العبادة كانت تكفي لما كان للعلم والتعلم حاجة.

وضعت القوانين خوفاً من استبداد الإنسان للإنسان، وظهرت الحكومات كي تدير حركة الشعوب ضمن الدول، وخوفاً من الفراغ والفوضى، وأنشئت المشافي والمستوصفات والعيادات لمعالجة الأمراض على اختلافها، وأقيمت المصانع للإنتاج، ومراكز البحوث للاستكشاف والاختراع، ووجدت الفضائل من أجل اجتناب الرذائل وجمع المال خوفاً من الغد المجهول، وتولدت من هذا كله غرائز الغضب والنفور والاقتناء والأنا، من دون الوصول إلى نزعة المشاركة الوجدانية بين البشر.

نحن نبحث في انحطاط الغرائز الإيجابية ونمو السلبية منها، فإذا حُرّم على الشعب أن يغضب على أعدائه، وتتوقف مقاومته أو قتاله لهم، فما فائدة غضبه؟ وأيضاً إن حرّم عليه أن ينفر مما يكره، وأُوقف كي لا يصل إلى الحب، فما مصيره؟ وكذلك أن يعتز بنفسه، ويتألق بسيادته عليها، وحرّم عليه أن يمتلك أو يقتني، ليقول عندها: ما السبب لحياتي أو عيشي أو بقائي متناسياً؟ إنه السبب الرئيس في عدم الوصول لتحرير وطنه، لأنه من مجتمع مركب، لم يسعَ لتطوير وجوده، وكل ما يحمله من تهم موجهة للآخرين أو للدولة، وبدلاً من أن يعالجها بنفسه، يلقيها على دولته، وهنا لا أنفي دور الدولة، إنما أذكر المواطن الذي لم يتخلص من أفكار التخلف والتعلق بالفكر الماضوي، على الرغم من وصوله إلى الحداثة.

دعونا نتفكر في الذي يخيف أبناء الوطن، فحينما نؤكد التنوع والتعدد ومفردات العقد الفريد الذي لا نريد فيه ضياع أي مفردة، ومن دونها يغدو مشوهاً، فإننا نرى الجميع يسأل: هل يقدر العرب أو العربي على حماية تنوعه؟ والأجدر أن يُسأل: ألسنا نحمي بالقانون والعروبة أوطاننا؟ فمهما كانت المتغيرات يبقَ القانون الحصن الحصين للوطن، وعلاقته بالأوطان تعني سيادته التي يقرّها القانون الدولي، ألا يجدر بنا أن نبحث هذه المشكلة التي ليست سهلة برحابة صدر وإخلاص، حتى لا نخسر مفردة من مفرداته؟ ألا تكون العروبة حلاً واقعياً لحماية الجميع بدلاً من دفعهم إلى سراب الحمايات الأجنبية والأوطان القومية؟ متى نتجه لترتيب بيتنا الوطني، ويصبح أوله وضع منهج إلزامي للتهذيب الوطني ضمن التعليم والثقافة والعمل على إزالة الطائفية المقيتة من الحياة السياسية بشكل خاص؟ فمن الضرورة إيضاح العلاقة بين الدين والدولة، والبحث في عملية الاستقلال السياسي والاقتصادي، وفسح مساحات حرة للفكر والصحافة المتمتعين بالوطنية المخلصة التي نضمها إلى العروبة، فحضورهما معاً في فكرنا يعزز وجودنا، ويؤدي إلى ارتقائنا، وبهما ينتهي الخوف والقلق من أنفسنا، وهما المعوقان الرئيسان لأي عملية نمو أو تطور.

مؤكدٌ أننا لا نستسلم لليأس، فما دمنا نرى الشمس مشرقة شامخة، والقمر يضيء ليالينا، والعقل الوطني يصحّح مساراتنا، حتى وإن تلبدت سماؤنا بالغيوم المكفهرة التي ترعد وتزبد، فتطورنا حاصل، وسيادتنا مؤكدة، وحياتنا حرة كريمة، فالذين يكافحون حريتنا ووطنيتنا كالذين يكافحون الحرائق بقذائف اللهب، منتهون لا محالة، وإلى أولئك الذين حملوا مطارق إسقاط الوطن، هل تبيّنوا مواضع الطرق؟ الوطنيون قالوا لهم، ومازالوا يقولون: قبل أن تذهبوا إلى أعداء الوطن، وتخرجوا من المعابد التي استترتم بها، طهّروا أنفسكم وأفكاركم من أغلالها، وخفّفوا عن كواهلكم أثقال التبعية والذل والهوان، إنّ من يحتقر الضعف قوي، والضعف يستشري عندما يتم التمسك بالتخلف والجهل والتطلع إلى الوراء البعيد والانحصار فيه، لم يفشل الوطنيون، وأيضاً لم تفشل العروبة، بل فشل سواد العرب، نظراً لتبعيتهم وفساد أخلاقهم عندما اتجهوا بعيداً من معنى ومغزى بناء الأوطان، ومن العروبة وأحقية وجودها، بل الإصرار على ارتقائنا إليها مباشرة، هذا الفشل الذي لن يتحول إلى نجاح إلا باستعادة الثقة بالمواطن وبالعروبة وإعلاء شأنهما.

أنا هنا لا أقدم مادة غايتها إدخال المعلومات قسراً لذهن القارئ، ولا أبحث من خلالها عن حفظ المقولات للتباهي بها، إنما أنشد الاطلاع على الفضائل الفكرية لقيامة أوطاننا وتحصينها على مساحات جغرافيتها، لأن الجاهل نراه مغتبطاً بجهله، والعارف مع العالم يدركان شسع ما يجهلان، فنراهما يذهبان للبحث والتقصي، ورغم أنّ التاريخ يقدم الدروس والعبر التي ينبغي أن تفيد الآخرين، وإلى من يكتبه، يجب أن يحذر من تتالياته وتبعيات ما يكتب، إن لم يدرك هذا، وخطورة حالة أوطاننا وضرورات استخلاص العبر من غموض مآلات التاريخ الماضي والحاضر، لأن الظروف معقدة، والذي تحت الطاولة يخالف كثيراً المشاهد من فوقها، إذاً، علينا بأخذ العبر من كل ما جرى، وأن نذهب سريعاً لإحداث التغيير، فالشعوب العربية غدت أكثر من واعية لمصالحها، وهذا نتاج الانفتاح العالمي الذي لا يمكن لأحد إغلاقه، فالعالم عملياً أصبح قرية صغيرة.

هل سنبقى تحت رحمة المفاجآت التي لا يُحسب لها، تسقط علينا في الزمن غير المتوقع، وتخرج من بين جنباتنا، حيث تدهش الساسة، وتربك العسكر، وتفاجئ الشعوب، وهل هذا يكون ويحصل نتاج جهل ساستنا بمجتمعاتهم، وما تحتاجه دولهم؟ أم إن هناك رؤى لا ينبغي أن تتطلع عليها الشعوب؟ لذلك نراها هائمة وتائهة بين الأحكام المطلقة والمختلفة عن الواقع.

نجد هذا يهرب إلى الماضي، وذاك إلى المستقبل، دققوا معي، إنه بعد مئة عام من اتفاقية سايكس بيكو عام 1917م، واتفاقية سيفر عام 1920م، وبعدهما لوزان عام 1923م، لم نقم بإجراء أي تدقيق على ما جاء فيها، بل اكتفينا بالتدقيق على بعضها، بينما تقوم الذئاب المتصارعة على وجودنا الإنساني والجغرافي برسم خرائط جديدة لإقليمنا، بما يحتويه من تنوع وخيرات وخبرات ومعارف، من أجل استمرار السيطرة عليه بشكل أو بآخر.

هل الديمقراطية حل للأوطان؟ أقول أجل، ولكن انظروا كيف تطارد الديمقراطية الأمريكية التي تعلقت بها شعوب الأرض على أنها حلم أوطاننا، كيف بها تعمل على إخضاعنا، وتصر على أن نكون تابعين لها؟ هذه الديمقراطية التي تعيث فساداً في الدول قاطبة رغم بريقها المخادع، هذه الديمقراطية الأمريكية التي تضغط بالحصار الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، تريد أن تكون جميع الشعوب تحت إمرتها وتابعة لها، هذه الديمقراطية التي جعلت العالم يضج بالثرثرة والصراع العنيف من أجل البقاء ضمن لعبة التسابق والتهافت على الكرسي الذي غدا شعاره تفاهات وسباباً وشتائم، ومن خلالها نرى حوارات غير مباشرة، أي عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بدلاً من اللقاء الذي عبره تجري التسويات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، لتشكل ديمقراطية وطنية حقيقية لا وهمية، كما تريدها أمريكا ديمقراطية ظالمة ومظلومة في آن.

هل يريدون لنا حقاً بناء أوطاننا؟ مؤكدٌ لا، إذا بقينا نصرّ على التمسك بالتخلف وقبول الآخر المختلف عنا، وعدم قبولنا لما نختلف عليه، ونصل معاً إلى الحلول أو توليدها، لذلك عنونت هذه المادة الفكرية بتحرير أوطاننا أمام الذين يريدون لنا أن نبقى في حالة لهاث، ويعتبرون ما نسير إليه وننشده سراباً، إلا أننا نقول لهم: إننا مصرّون على ما نبغيه، وسيكون لنا ذلك، لأننا نمتلك إرادة أن نكون، هذه التي تمنحنا قوة التقدم والنجاح والانتصار، وبها نحافظ على السيادة والعنفوان.



عدد المشاهدات: 5931

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى