مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

فوهات البراكين- د. نبيل طعمة

الخميس, 25 تشرين الأول, 2018


تتوالى الإنذارات منها، والشائع عالمياً أنه لا نار بلا دخان، يتهيبها العالم أجمع من دون استثناء أحد، وأهمهم المتحركون على حوافها، والساكنون في هذا العالم، بين سفوحه وسهوله ووديانه، واعتقادهم أنها تتشابه مع الحرب المتجسدة في الثوران، وبأنها واقعة لا محالة، فالتحرش قائم بين جنس الإنسان، مجتمعات ودول وأمم، من باب انفلات طموح الجميع في السيطرة على بعضهم، وهو الذي يعني الشرارة المنتظرة والاضطراب المتحقق اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهنا يتفهم الديني أن الصلوات والتراتيل والأدعية غير قادرة على أن تدافع عن الإنسان أو النبات أو حتى الحيوان في لحظات وقوع الخطوب، حيث تساوي بين الجميع في المشهد المنظور الذي لا ينقصه إلا من يطلق شرارته أولاً، لأن جميع أسباب الحروب جاهزة لاندلاعها، ومحفزات حصولها متوافرة بقوة، وخاصة بين الأقطاب الخمسة، فكيف بالتوابع لهم، أو من يدورون في فلكهم رغم شعور الكل ببرودتها التي تتشابه تماماً مع حرارتها، وهذا ما ينشئ الحيرة لدى المجتمعات والدول كافة، والسبب التناقضات المرعبة بين القوى التي نطلق عليها عظمى، بحكم ما تمتلكه من قدرات عسكرية هائلة، تكفي ليس فقط لتدمير بعضها، وإنما لتدمير كوكبنا الحي برمته، والدول السائرة بركب هذه الدول لا تمتلك شعوبها إلا الجدل السياسي الذي يقتات عليه فكرها، من خلال ما يرمى إليها أو يرشح عنها، فهل حقيقة أننا نركن إلى سفوح هذا البركان؟ وهل نمتلك علماً يتيح لنا معرفة الشرور التي تحيق بنا؟ فإن كان الشر معلوماً فهو لا يخيف، أما إذا كان مجهولاً، ولا نسعى لإدراكه وفهم أبعاده وغاياته فهنا تكمن الطامة الكبرى.

ألا ينبغي أن تكون أي حرب حرباً على مفاسد الإنسان وحقاراته، واللعنات أن تنصب على الخونة والجبناء، أو على التبعية لعالم الشمال المسكونة في عالم الجنوب برمته، وبشكل خاص سواد العرب، الذين يتمسكون بالشهوات الأربع؛ شهوة العين التي تحاول السطو على الآخر، وشهوة الجسد نتاج عدم الوصول للإشباع الجنسي، وشهوة الغرور التي تضخم الأنا، وشهوة التديّن التي يعتقدون بها أنها تحمي شهواتهم، بدلاً من أن يتجهوا لامتلاك شهوة الإيمان التي تدفعهم لتعزيز شهوة العلم والفكر والإبداع التي تكمن فيها غاية الحياة.

من يصنع الفوهات وحممها؟ من يخطط للحروب وأشكالها التي لا تقع إلا في عالم الجنوب؟ وضد من؟ ضد بعضه، وضد من يحاول أن يقف في وجه عالم الشمال.

حروب بيولوجية، إنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر وإيبولا والسرطان، والدينية والإثنية، حتى الزلازل والبراكين والأعاصير وتسونامي جلّها في عالم الجنوب، من هذا كله، نجد أن الدول كافة تنفق الكثير من وارداتها على التسليح والأمن، وتجري تحالفات مؤقتة أو إستراتيجية لحين بعيد أو قريب، من أجل التزوّد بكل ما يقتل الآخر، ولا تنفق على بناء الأخلاق والتحلي بها، أو تأمين مستلزمات شعوبها بغاية توفير حدود الكرامة التي ترفع نسب الوطنية إلا النزر اليسير، ولا شك أن ما خططته الدول العظمى لإجراء تجارب على كامل دول العالم الثالث، كان أهمه ما أطلق عليه الربيع العربي، الذي أحدث تدميراً هائلاً في الفكر العربي وبناه المادية، ما انعكس بشكل دراماتيكي على العلاقات العربية العربية أولاً، وأدى إلى انقسام فكري سياسي ومذهبي وطائفي وديني وعرقي وإقليمي ثانياً، وأحدث ارتباكاً خطراً بين الدول العظمى ثالثاً، ما جعل ليس عوالمنا العربية بل العالم أجمع حقيقة لا خيالاً، في لحظات كثيرة، على فوهة البركان، السؤال الذي يفرض حضوره في العقل البشري بعدما أجري عليه من تجارب رديئة، تعايش معها الجميع قسراً وطواعية، والسبب تسلط الحكومات المستذئبة عليه نتاج قبوله فلسفة القطيع اللاواعي، فالذي من الحكومات لم يستذئب، تكالبوا واستذأبوا عليه.

ما يخصنا الآن هو واقعنا العربي الذي يمر في أسوأ مراحله، بعد أن انكشف وجوده إلى أبعد مدى، وغدا عارياً تماماً، وبات محتاجاً إما لأن يبني لباساً خاصته، وإما إلى إلباسه من الآخر؛ أي لبقائه تائهاً يبحث عمن يستره، فهل نحن العرب حقيقة نحتاج إلى هذه الأغطية، أو الانجراف إلى أحضان الشرق أو الغرب، وانقسامهم الحاصل وانخراطهم تحت تلك الأجنحة؟ فنحن نملك ما نملك من العقول والمواد الأولية التي يبني عليها عالم الشمال وجوده وكيانه، ويستعمرنا اقتصادياً بعد إعادة تدويرها وإنتاجها ورمي فضلاتها على حكوماتنا التي ترميها بدورها علينا.

أين نحن من جديد؟ هل نحن على فوهة البركان أم أين؟ هل سيعود إليهم التوازن؟ وأقول هنا: مع من ومن أجل ماذا؟ أليس فهم منظومة التوازن فيما بينهم يعيدهم إلى بعض، ويخرجهم من دوامة الصراع العالمي الملتهب عليهم من باب فهم عملية التوازن البيئي؟ هذا الرعب المخيف أسس معه فرضية أن الخوف الذي يؤدي إلى الموت يدعو الجميع لقهر الخوف، فإذا حدث ولدت الحياة من جديد، وهذا ما يؤكد أن الصلوات والأدعية لا تمنعه، رغم أنها مهمة جداً للاستمرار، فإذا كان لدى المجتمعات التي تتكون من الفرد الإيمان بالخلاص من باب الإخلاص، فإن الخروج من عنق الزجاجة بعد إنجاز العمل حاصل لا محالة، وإلا لا ينفع أي شيء، حتى وإن كان على شاكلة الاستغاثة.

هل ننهي فرضية إن لم يثر البركان ونتجه إلى العمل الدقيق فإن الثوران حاصل؟ حتى وإن لم ينفخ بأدخنته، والمثل القديم يقول: إن سيلاً جرى لا بد أن يجري، وعندما نخوض غمار المشكلات الكبرى أو الصغرى، هل نمتلك سبل التصدي لها وأساليب معالجتها؟ كيف نهدر حيواتنا جزافاً؟ كم فرصة نمتلك ضمنها؟ أين نحن من الذين مضوا والحاضرين والمستعدين للمستقبل؟ هل نحن ظلال الشرق الماضي، أم أشعة غروب المستقبل القادم؟ لمن الخلود الذي لم يكن يوماً لأحد إلا لأولئك الذين فهموا وأدركوا سبل الحياة الخالدة؟ هل هناك من قدرات فاعلة لتتحكم بسلطات الطبيعية العنيفة؛ زلازل، براكين، أعاصير؟ أجزم أنه حتى اللحظة لم يستطع الذكاء البشري بأقصى حالاته أن يتحكم حتى بجزء منها، وهذا يقودني إلى فلسفة إنشاء الحروب التي يعمل على تركيبها العقل البشري، ويعلن انطلاق شرارتها، كما هو حال البركان، من يوقفها؟ من يوقفه؟ وهل ينفع الارتجال مهما بلغ حينها؟

من يملك شطح الفكر الانتقامي والاقتناصي المخطط للفتن والحروب واغتصاب الحقوق؟ من القادر على إيقافه، أو تتوافر فيه سعة صدر لاستيعابه، ومن ثم علاجه؟ وإذا خانتنا أفكار إيقافه، ألا نكون في مهب الريح وتحت رحمة زفير فوهات البراكين التي تعلمنا أن القادم أصعب وأخطر نظراً لوجود أمة منقسمة شاردة موزعة بين غازٍ جبار وزعماء تسكنهم الأنا، وقادة مستأجرين، وتجار مساومين، وشعوب غافلة، همها إملاء أجوافها وإشباع شهواتها الغبية جنسياً من كل شيء، تواطؤات مريعة وتطاحنات حقيرة على وطن جميل، أنزلوا به الفواجع وعلى حياته الكوارث.

فعلاً انفجرت البراكين في هذا الوطن، ولكن نشهد الآن ليس خمولها، وإنما اندحارها وانفجارها في عوالمهم، فها هي تنشط، وهم يتراقصون على فوهاتها، متى ندرك خططهم التي لن تتوقف، ولن يتحقق لهم ما ينشدون؟ وبعد كل هذا الذي جرى، يجب أن يدركوا أنه آن أوان ثورانها عليهم.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3945

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى