مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

حروب الإلهاء- بقلم الدكتور نبيل طعمة

الأربعاء, 4 نيسان, 2018


 

تمنع الوصول إلى حلول حاسمة، بعضها يأخذ شكل الاحتكاك، ويقتصر البعض الآخر على المناورات الباردة التي تشمل جميع صنوف الحياة، وتدخل مراحل التسخين وصولاً إلى الاشتعال، أزمات تُركب، تقسم الأمم المتحدة إلى مع وضد، تنشئ اصطفافات وصولاً إلى وقوف الأمم المتحدة شكلاً مع بعضها وجوهراً ضده، بعد أن يكون الجميع قد تعبأ بالمواقف العدائية التي تتراوح بين لعبة المصالح الذاتية وصولاً إلى العامة، وأعتقد معكم أن جلّ الأزمات ينجز من أجل صرف الأنظار عن مجريات خفية، لا يراد لها أن تظهر إلى عموم الشعوب، أو أن يتجه العالم إليها.

الذي جرى مع كثير من دول عالمنا العربي، وانحصر بشكل رئيس في سورية، نضعه في خانة عنواننا، وهذا سيستمر متنقلاً من مكان إلى مكان، والأدلة ماثلة أمامنا، وهي كثيرة، نأخذ فيها إيران ومحاولات الانقضاض على بنيانها، وكوريا الشمالية وإخضاعها، وسورية المركز والمحور وما أصابها من تدمير هائل في بناها المادية واللامادية.

 الاختلافات دائماً جاهزة، لأنها مبنية أساساً في  الماضي، وأي حرب ومهما كان نوعها تحتاج إلى سبب لبدء التحرش، ومن ثم الاشتغال، والعالم لا يسير بقطب واحد؛ بل يحتاج كي يظهر انقسامه إلى قطبين يعملان معاً، وفي الوقت ذاته يكونان فيه متناقضين، وكلما وصلت الأمور إلى حد وضع الأصابع على الأزرار النووية من الطرفين، نجد تراجعاً سريعاً، وكلما وصلوا إلى هذه الحالة وتوافر القبول من الطرفين تعلو مطالب التهدئة، ومن ثم تبريد القضايا.

هل بيد الشعوب والدول قرار قبول أو رفض الحروب المسقطة عليها، وهي التي ترفض الحروب وتهاب أن تصيبها قذائفها ونتائجها المدمرة؟ لنتفكر ونستحضر جميع الحروب بعد الحرب العالمية الثانية التي لم تصب أو تجرِ إلا في عالم الجنوب، والعبر يأخذها عالم الشمال أكثر مما يتخيل، مستفيداً مما يجربه ويجريه؛ أي العسكرية والاقتصادية والبيولوجية فيها، مقراً بأن لا حروب بعد ذاك الذي حصل، إنما تحويلها إلى حروب ترمى على بلدان عالم الجنوب، تنفذها في دوله، أو بين حدودها، وبشكل دائم، بحيث ما إن تهدأ حتى تبدأ بالاعتراف أنها ستسبب لهم آلاماً؛ أي في عالم الشمال، لكنها موضعية، ويسهل علاجها، ويكون بيدهم بدؤها وإنهاؤها، وهذا معتمد في تكتيكاتهم، ويبعد عنهم خطر حرب عالمية جديدة، أما الدول في العالم الثالث فهي تمثل كبش فداء من أجل تحقيق سلامتهم ووقاية مجتمعاتهم والحفاظ على مدنيتهم وحداثوية أفكارهم التي يضخونها، ويغرون بها الشعوب الباحثة عن الحياة والسلام، فهذا البريق المخادع والجاذب لعالم الجنوب والكاذب عليه الذي ينشرونه، يتحول إلى أحلام يلهث وراءها اللاهثون من مجتمعاتنا المصنفة ضمن عالم الجنوب.

إنهم يلهون مجتمعاتهم بحروبنا، يستمتعون ويمتعونهم بما يحصل لنا، يظهروننا وكأننا في حلبات الصراع حتى الموت، يستعيدون أيام الأكروبولس في أثينا، والكلوسيوم في روما، هي هكذا رؤيتهم تعميق تخلفنا كي لا نلحق بالركب، يمدوننا بالسلاح، ينهبون كنوزنا الفكرية والآثارية والمخزون تحت ترابنا، من دون أن يرف لهم جفن مباشرة، وبعد الحرب العالمية الثانية بدؤوا تنفيذ مخططاتهم؛ حرب فيتنام وكمبوديا، وأزمة كوبا، وحرب الفوكلاند بين الأرجنتين وبريطانيا، وأفغانستان، والثورة الإيرانية التي قادها زعيمها من ضواحي باريس، ناهيكم عن حروب الشرق الأوسط المستمرة مع الكيان الصهيوني، وفيما بين المجموعة العربية، والحروب مع الأزمات الداخلية في إفريقيا، ومطاردة دول أمريكا اللاتينية لإخضاعها، بينما تحل أزماتهم بصمت وهدوء، كمشكلة الجيش الأحمر الإيرلندي وخلاف الكنيستين في بريطانيا وقضية البوسنة والهرسك، لأنها ضمن الحاضنة الأوروبية.

حروب إلهاء تجري بصمت بشع، عميل روسي مزدوج عمل بين أجهزة مخابرات روسيا الاتحادية وبريطانيا، سمم بغازات أعصاب، ينشئ أزمة كبرى بين منظومة دول عالم الشمال، تؤدي إلى طرد كثر من الدبلوماسيين الروس من أمريكا وكندا ومعظم الدول الأوروبية، هل يستحق هذا كل هذه؟ وهل هذا يدعونا إلى التفكير بأن هناك حرباً عالمية ثالثة، بدأت ترخي بظلالها، أم إنها تفعيل للحرب الباردة التي يحضر خلفها الكثير من أجل السيطرة على كامل دول العالم، وخاصة أن لدى أمريكا رئيساً جديداً قال جهاراً نهاراً: أمريكا أولاً، وأمريكا الأقوى، وأمريكا الأعظم، هل هو مخطط أمريكي صرف، أم إنه بريطاني بحكم أن بريطانيا تاريخياً مصنع للمؤامرات والسياسة العالمية وإدارتها وأمريكا المنفذ المباشر أم إن الصهيونية العالمية الحاضرة في منظمة الآيباك بقوة تفعل فعلها من باب وجودها المخرب لكامل دول العالم من أجل بقاء سيطرتها عليه؟

من يفكر بإحلال السلام بين شعوب العالم ودوله ووقايته من مخاطر الحروب والحفاظ على تحضره وتطويره ومساعدة مدنيته أمام همجية ما يجري؟ أعتقد أن ظهور القطب الروسي ومعه الصيني من جديد أمام القطب الأمريكي ومعه الأوروبيون أوصل بالأمس القريب جداً منا الحرب الباردة إلى ذروتها، وغدت العلاقات بينهما عند النقطة الحرجة كما هو حال الأمس بين خروتشوف الروسي السوفييتي وكيندي أمريكا، تلك الحالة حول نزع الأسلحة الإستراتيجية التي سارع العالم لنزع فتيلها، وطالبهم بالدخول مباشرة في مفاوضات جدية لنزع التسلح وإيقاف التجارب النووية، أمريكا ومعها حلفاؤها الأوروبيون لن يتغيروا، لأن الرأي السائد لديهم يقول: إن العامل الحاسم في النزاعات الدولية هو القوة ولا غيرها، وإنهم مستعدون دائماً لخوض كل أنواع الحروب، أياً كان شكلها.

من يفتح بوابات السلام العالمي؟ والسؤال الأصح: من يحتاج السلام، ومن يصنعه؟ وهل ممكن أن يتحقق في عالم الجنوب المسالم أصلاً؟ لأن عالم الشمال لا يحتاجه؛ بل يمسك بمفاتيحه، يفتحها هنا، ويغلقها هناك. من سيحقق المعجزة، ويحمل قادة أمريكا وأوروبا للتعاون الحقيقي مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية لاتخاذ قرارات، يُنجَز من خلالها سلامٌ حقيقيٌّ؟ من سيمنح الوعود الدقيقة والقابلة للتنفيذ، وتكون صمام أمان بيد الشعوب، وترجح لغة السلام على الحروب بكل أشكالها؟

حروب الإلهاء مسؤولة عن إنشاء حروب بالوكالة متعددة الأشكال والظروف والمناخات، لا وقت لها، تسقط من دون سابق إنذار على الأماكن المختارة من المبرمجين لها، غايتها الرئيسة إيقاف أي عملية تطور أو تقدم، وإن حدث يكن هدفها الرئيس هو التدمير وإعادة ما تحقق لنقطة الصفر، أو حتى تحتها، ومن ثم تقديم أنفسهم على أنهم المنقذون.

ستستمر الحروب الإلهائية، مادام  هناك شمال وجنوب، ناهيك عن تمترس غرب الشمال ضد شرقه، وهاهم يبدؤون حرباً على روسيا الاتحادية، وهي إشارة للصين أيضاً بأنها قادمة إليها بقوة، والسبب تطورها الهائل الذي سيبتلع ليس بعيداً الاقتصاد العالمي، وبما أن ساحات المعارك مهيأة، وأكثر من ذلك قائمة في سورية وليبيا واليمن، وحتى إيران التي يعملون عليها، لتكون ساحة صراع قادمة، لأنها أيضاً أخذت تدور في الفلك الروسي، ومع هذا الهجوم العنيف على الدبلوماسية الروسية. كيف ستكون المواجهات القادمة، وخاصة أن إدارات أمريكا جميعها متشابهة؟ إلا أن القائمة منها الآن «ترامب ومساعديه الجدد» تكشف لنا الوجه الحقيقي للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سافر.

 د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3250

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى