مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الهديَّة الأولى- نبيل طعمة

الأربعاء, 24 آب, 2016


كانت من المكوّن الكلي الذي أنجز كل شيء على تمامه، بما فيه آدم الإنسان الذي أخذ بيده، وأراه صنعه وملكه، وبعد أن انتهى من ذلك، قدم له الأنثى المرأة التي كانت بمنزلة أجمل هدية من الخالق إلى إنسانه، دعونا -نحن معشر الرجال- نتأمل عيني هذه الهدية، فسنرى ضياءً غريباً ورغبات دائمة حبيسة، تستعجل الاستيلاء على كل ما تقع عليه، وعلى الرغم من أن الرجل، أي رجل، يحب ذلك، إلا أن المرأة تعشقها، وأكثر من ذلك تعبدها أكثر من تعبدها لمرسلها، ومهما كانت تصوراتنا -نحن معشر الرجال- عن أحاسيسها، فإننا لن نصل إلى قوة تأثيرها التي تعيد لنا نظراتنا من شرودها مفسرةً بعجالة أحلامنا الدفينة عنها، حيث تحول سكوتنا إلى أفصح الكلام وأرقه، وعندما تتابعها بحنان تشعرك أنفاسها بأنك تحادث أنفاسك، وفي لحظة متابعة منها، تختطفك من دون رغبة في معرفة اسمك، أو عن حياتك، ولا حتى عن عملك، ولا ترغب في فضحك لها سرائر ذاتك في غفلة منك، وبعد أن وصلت إليك، تقدم حضورها قائلة لك: هأنذا بين يديك، اصنع ما شئت، وبعدها اذهب فعد سريعاً، أو لا تعد إلى الأبد.
لا يمكن لأي رجل أن يُعَرِّف المرأة، ولا لأيّ طبقة تنتمي، أو من أيّ مرتبة جنسية تكونت منها، أو هي تتمتع بها، فرفعة المرأة يحدها سحرها وملاحتها وامتياز رقتها وتراتبية أخلاقها، فقد تكون من درجات الفقر بسيطة وبائسة، ثم يسمو جمالها وأناقتها الفطرية وبساطة حركاتها وحلو مبسمها، وما ينساب من ذكائها ونكهة رضابها، ليأخذ بها إلى مصاف المخلوقات، ويضعها في مرتبة الرقي والغنى، فالذكر في جميع المخلوقات الحية هو الأجمل، إلا في جنس الإنسان الأنثى، كيف ما كانت جميلة في نظر مريديها، وبقليل من التجمُّل تغدو الأجمل، أو متوافقة لدرجة كبيرة معه، وكأن بها نصفه الأزلي الذي كانا عليه قبل أن يشطرهما الإله من جسد واحد بوجهين، والغاية دائماً الالتقاء، كيف بنا ندرك هذه الهدية الإلهية ذات النفس الكريمة، إذا أكرمت أكرمت وحينما تلتمع عيناها برغبات الحياة تجد الحب والعشق والود والهيام والحنان، تشتهي ولا ترتوي، تتقيد بالزواج، ولا تجد فيه إلا البدَّ الذي لابدَّ منه، لأن جسدها ينازع ذاتها ووجودها، تستسلم للكفؤ، لقلبها وحبها، فإذا استسلمت توحدت، وإذا عشقت حرقت وتحرقت، وإذا أَنَّتْ آلمت وأتعبت، لا تعترف بالحب إلا لمن تحب، وثنية في حبها، صادقة في إحساسها، نُسجت عنها ومنها الأساطير والقصص، وحملت اسم الليل الذي مهما طال نهاره، فهو عائد إليه، كانت ليلى وليليث.
اعتبر آدم هذه الهدية حياته، وأدرك أنه من دونها لا يقدر على الاستمرار، ومهما كانت؛  حققت كل ذلك بفضل وجوده إلى جانبها واستخدامها طبعاً لقدراتها، تحت أو فوق، مظلته أو بجانبه، إلا أنها ومع كل ذلك، أفرحته على الرغم من ابتزازها له، بعد أن اكتشفت ذكورته ومواطن ضعفه وقوته، وأدرك هو من سؤالها الأول له الذي كان عن الحبِّ، هل تحبني يا آدم في لحظة عناق وضعف غريزي، التفت حوله وأجابها: هل من غيرك، وعرف من حينها خبث وقوة هذا السؤال السهل الممتنع، وتملكه وعي نادر حولها، بأنها ومهما بلغت من جمال وثروة وحكمة، فإنها تبقى كالزهرة الحزينة في صحراء من الرمال، إن لم يحضر الرجل، ويأخذ بيدها تذبل حتى النهاية، ومعها تبدأ رحلة العبودية النوعية، فإما أن تكون جميلة ورائعة، يأخذ بك جمالها، لتكون فيه سجيناً، يبحث عن إثبات براءته والخروج منه، وإما أن تكون سيداً، تدخل من دون قناعة إلى سجنك، وتخرج منه بإرادتك، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على قدرتها الدائمة في النمو، وأيضا التغيير، وهذا ما جعل من أسطورة توءمتها مع الحية والثعبان وتلويها ومكرها، وغايتها الأولى والأخيرة اصطياد ذكرها، أو العديد من الذكور، إن فشلت في محاولتها الأولى، أو تبقى متيقظة متوثبة ضمن حالة من الانتظار.
جاذبية ثائرة، وثورة عارمة يخوض غمارها آدم الفتى الرجل الكهل الشيخ، أياً كان عمره ووضعه، تستلبه بصره لحظة أن يقع على الأنوثة الصارخة وأفخاخ أشراكها، وتضاريس جسدها، وحرارة أنفاسها، وسهاد حنوها المولد لجنون أفكارها التي لا تنتهي من تلك الهدية الأولى، واعتبارها ليل آدم الضوء ضوءها الذي أنجب حواء، واستمرت في التوالد الأبدي، أحالته إلى الارتماء في أحضان الخطيئة المستمرة وتعلقه بها، على الرغم من كل ذلك، قتلت أولاده، وتركت له حواء، وجعلته بذلك متجهاً دائماً إلى الغفران بعد إغوائه بأكل التين والتفاح، حيث ظهرت منهما السوءات، وتاه معها حتى اللحظة، ولم يقدر على فهمها، لذلك تراه يستعين بابنتها، أو شقيقتها، أو صديقتها، أو نقيضتها، من باب أن فهم المرأة ونقاط ضعفها لا تدركه إلا أنثى من جنسها، ومنه اعتبرت الأم ابنتها ضرتها الأولى، فهي تكبر، وابنتها تشمخ، فترى دبيب الغيرة يأخذ مجراه في عمرها، وعندما تنشب مخالبها في جسد آدم لا تداويها إلا مثيلتها المستوعبة للحدث بخبث الحلول محلها، أو الحصول على الحصة من كعكته، كبيرةً كانت أم صغيرةً، ودليلنا قبولها الدخول على مثيلتها تحت مظلته، ومهما تعددت أعدادها الأربعة، وما ملكت الأيمان.
إن هذه الهدية التي قبلها آدم بحب واحترام، والتي تلاعبت في عواطفه من خلال مطالبتها الدائمة بالاعتراف عما اقترف من خيانات فكرية وعلمية، ومسامحته لها لحظة انهمار دموعها التي تفتِّت عواطفه وقلبه، وتدعه في حيرة، ومن ثمَّ قبول الغفران، وعلمه أن دموعه إذا انهمرت تفتِّت الصخر، ولا تستطيع أن تحرك قلبها أو مشاعرها، وتحمله لقبول هدية خالقه، أنهكت كواهله مع تقديم احترامه الفاضل لها، حينما تكون حافظة بنائه، يقدم لها جنى عمره، ومنه كان أنَّ الأنثى الهدية تبني من خلال ما يجني آدم، ولم يشهد التاريخ بناءً لآدم من جني حواء، إنها نصفه الأزلي الذي يجبره، ومن دونه ما كان له أن يظهر



عدد المشاهدات: 3235

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى