الدكتور نبيل طعمة يكتب : السياسة تحتاج لثورة. الأربعاء, 14 آب, 2024 نظراً لكل ما يجري على الساحة الدولية والإقليمية والقطرية، يقارن المهتمون بالأحداث بين سياسات العقود السابقة والحالية، وهم تائهون أمام ما ستؤول إليه الأمور القادمة، لأن خلط الأوراق بين السياسة والاقتصاد أخذ يتمكن من الاقتصاد العالمي، وضمن كل دولة دون استثناء، وهذا في اعتقادي ما أدى إلى فقدان الكثير من الأسس التي بُنيت عليها السياسة الدولية بكلّيتها، وكذلك حال الاقتصاد، وأخذت التحولات وشدة تسارعها شكلاً لا يمكن معه استيعاب ما يجري، ومن لم يواكب فلن يكون في المؤخرة فحسب؛ بل خارج إطار الزمان والمكان مما يجري. هل هناك من روابط بين الليبرالية الحديثة والعولمة ووسائط الاتصال التكنولوجي، التي لم يعد أحد قادراً على التخلي عنها أو مقاومتها، المتخصصون بفلسفة السياسة يتحدثون بـ "نعم"، وما يجري من انفجارات لا أخلاقية في عالم اليوم قدّم لغة جديدة من الحروب التي ترتكز على التدمير الشامل والإبادات الجماعية، بغاية فرض لغة مختلفة على التنوع العالمي، وإعادة توزيع شروطه الإلزامية لبناء اقتصادياته وسياساته، وحتى نظم أخلاقه، مؤكد أن القادم ليس بالسهل على العالم بقاراته الخمس، دون استثناء، وأن مبدعي سياساته من المفكرين والمثقفين أصبحوا حائرين أمام ما يجري، لأن السياسة قامت على الإبهار والتكتيك والجذب، والايجاب بـ "ممكن" التي تعني "لا"، وما نشهده اليوم هو أنها غدت بلا بريق، جافة وصدئة، تتطاير شظاياها لتصيب الواقع بجروح مؤلمة، وبتنا نجدها بحاجة إلى ثورة تعيد دوران عجلة الحياة التي تحمل التفاؤل والأمل لإنسانها، المنتظر عودة حضورها وتحتوي في الوقت نفسه كل أنواع الحساسيات والخسائر والتهديدات؛ بدءاً من الأفراد بين بعضها وما يقع بين المجتمعات، وصولاً إلى خلافات الدول واعتداءاتها، الخفية والظاهرة على بعضها، وإذا كانت السياسة فن إنتاج الممكن وتمنح الفرص الذهبية التي لا يمكن مقاومة إغرائها، وتمثل القاسم المشترك بين الفرقاء عبر لغتها وتحركاتها المكوكية، فكيف بها الآن ونحن نجدها تقف على طرف كل شيء مدججة بأعتى أنواع الأسلحة، لا تمتلك من كل ما ذكرته إلا لغة القوة والأمر بالتنفيذ، هذه هي لغتها السائدة في هذه المرحلة، أما اللبوس الجميل الذي كانت تلبسه والذي يخفي مستنداتها، فقد تخلت عنه اليوم وأظهرت وجهها البشري الحقيقي، سابقاً كانت تجتمع تحت الأرض، فلم يكن يظهر من دهائها إلا جمالها، واليوم ظهرت على وجه الأرض وأصبحت في متناول الصغير والكبير، فقدت تألقها وجمالها الشيطاني وتحولت إلى بشري بكل شروره وآثامه، لذلك خَرَبت رجل الدين والاقتصادي والاجتماعي والمثقف وحتى المفكر، فالسياسة في جوهرها هي التي تبني في كل هؤلاء مسارات لرجالات الدين وترسم التوجهات الاقتصادية ومفاهيم المواطنة الاجتماعية، وتمنح فرص الاجتهاد للمثقفين ومساحات الإبداع للمفكرين، وهي قادرة في الوقت نفسه على أن تخلط الأوراق أو تدمر كل هؤلاء، السياسة تستعير دور الإله، تعز أو تذل من تشاء، ما يحدث الآن هو انفلات عالمي في مجمل السياسات القائمة، وهذا ما أدى إلى اعتقاد الكل أنه قادر على إدارتها، وهنا تكمن الطامة الكبرى، ولهذا أجدها تحتاج إلى ثورة تعيد للكل تخصصه كي يعود الإبداع إلى ما كان عليه، فالسياسة ضرورة لكل شيء، وهي مطلوبة جداً في العلاقات، وبشكل خاص في حكم المجتمعات وإدارتها، ومسؤولة عن نجاحها وفشلها، السياسة العالمية المتبعة حالياً ترينا حجم الخلل الحاصل في المجتمعات، نسب البطالة المرتفعة، انهيارات في الأسواق الاقتصادية والمالية، استبدال الإنسان المنتج بالأدوات التكنولوجية التي أظهرت تفوقها عليه بالدقة والفعالية، مما أثر في أسواق العمل ودمر الطبقة الوسطى، وهذا ما زاد من عدد الفقراء وقلص من عدد الأغنياء، وجعل مركز رأس المال في يد حفنة ضئيلة أخذت تجيّر السياسة لمصالحها بدلاً من أن تديرها السياسة نفسها، هذا هو عمل السياسة الحالية التي كشفت عن وجهها، فغدونا نرى واقعاً مؤسفاً ومؤلماً ينال من الجميع، أفراداً ومجتمعات، لدرجة أنه أخذ ينال من ممارسي السياسة بشكل مرعب، أجل إن هذا العالم يحتاج لثورة سياسية عارمة تنهي كل ما يسوده من صلف وجور، وتعيد للحياة بريق تخصصاتها الدينية والعلمية والثقافية والفكرية، وأهم ما يجب أن تعيده إليها التسامح والأمل. د. نبيل طعمة |
|