www.parliament.gov.sy
الثلاثاء, 27 آذار, 2018


كلمة الأستاذ نجدة أنزور نائب رئيس مجلس الشعب رئيس وفد المجلس إلى الاتحاد البرلماني الدولي جنيف .

كلمة الأستاذ نجدة أنزور نائب رئيس مجلس الشعب رئيس وفد المجلس إلى الاتحاد البرلماني الدولي جنيف .

السيّدة رئيسة الاتحاد،
الزميلات والزملاء أعضاء الاتحاد البرلماني،
لقد جئتكم من وطني سوريا والذي تسيل الآن فيها دماء كثيرة، دماء أطفال، دماء نساء، دماء عجّز، ودماء رجال.. إن وطني سوريا ليس جزيرة منعزلة عن محيطها وعن العالم وهوعلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وفقط من أجل التذكير فهي تطل على أوروبا ولاتبعد أكثر من 200 كيلومترعنها. البحر المتوسط... هذا البحر الذي جمع بيننا عبر التاريخ باعتباره بحر السلام، أما الآن فقد تلونت مياهه بلون الدم وغرق فيها مئات من المهاجرين ونحن كبرلمانيين دوليين ليس من حقنا أن نغض الطرف أو نغمض أعيننا عمّا يجري في هذه المنطقة من العالم.
إن الذين غرقوا سوريون كانوا أم ليبيون. عراقيون كانوا أم صوماليون، عاشوا في ماضٍ ليس ببعيد أي قبل هذه الكوارث، عاشوا في دول فيها قدر معقول من الأمان شكّل قاعدة لحدود مقبولة من التنمية نبتغيها جميعاً.
الزميلات والزملاء الشديدي الاحترام: نعتزّ بكم وإني واحد منكم وكلي إدراك بأن لديكم أسرٌ وأطفال تعيشون من أجلهم وتتمنّون لهم كل الخير وأنا إذ أخاطبكم كبرلمانيين أتوجّه إليكم كأناس تنتمون إلى الإنسانية التي لا تفرّق بين دولة وأخرى، بين عرق وآخر، بين دين وآخر، وكذلك بين جنس وآخر فالإنسان الحضاري لا يفرّق بين طفل وُلد في أفريقيا أو في بلدي وبين طفل آخر وُلد في أوروبا أو أمريكا. هذا الطفل أيها الزملاء ليس رقماً ولا يجوز أن يكون كذلك بأي حالٍ من الأحوال، إنّه أحد النتائج الجانبية للحروب التي تشتعل في هذا العالم بل هو مشروع إنسان علينا كبرلمانيين دوليين أن نستنهض كل قدراتنا وطاقاتنا كي يحيا في بيئة نحن صنعناها، بيئة تسودها الرحمة والأمان الضروريين لتحقيق الغايات التي وردت في تقريركم حول التنمية المستدامة.
تنمية مستدامة؟؟
سلم أهلي؟؟!!
عندما أذكر هذه المفردات في بلدي سوريا وأجزم أنه في الكثير من البلدان الأخرى التي لم أذكرها سوف يستغربون ويتساءلون عمّا نتحدّث؟
علينا أن نعترف أيها السادة أن العالم في خطر وباعتبار أن العالم قد أصبح قرية صغيرة فهذا الخطر لن يبقى في مكانه ليس من خلال الذين دُفعوا قسراً للهجرة من بلدي سوريا أو من غيرها من البلدان، بل لأن العالم قد أصبح محكوماً بشريعة الغاب أي أنه فقد كافة المعايير والقوانين الدولية التي كان من المفترض أن تكون هي مسطرة القياس المتحكمة بعلاقة الدول والأمم فيما بينها وليس أمزجة السياسيين والحكومات التي إذا ارتأت أو رغبت فإنها تُلقي في سلّة المهملات ميثاق الأمم المتحدة القانون الدولي.
أيتها الزميلات.. أيها الزملاء، علينا مسؤوليات استثنائية وهذه المسؤوليات هي أن نجد الصيغة التي يُمكننا بموجبها أن نضغط على حكومات الدول لا من أجل الحرب وإنما من أجل تعزيز السلام، كل السلام من دون تفريق بين أحجام الدول سواءً كانت كبرى أم صغرى ولا فرق.
نحن لسنا أرقاماً والحضارة هي رسالة، وسوريا على الدوام ومنذ سبعة آلاف عام كانت ومازالت حاملةً لهذه الرسالة، رسالة الحضارة.
سوريا ولّادة رسل وأنبياء، علماء وأدباء. لكنّها اليوم من دون ذنب ارتكبته تنزف سيلاً من الدماء وغيرها من دول العالم هي أيضاً كذلك.
هل سنتمكن من إنقاذ الضمير الإنساني؟
هل سنتخذ بموجب ذلك كممثلين للشعوب مواقف رادعة ضد الحكومات المنفلتة والمتفلّتة من كل عرف أو قانون دولي؟
ذلك من أجل إنقاذ السلم والأمن الدوليين اللذين أصبحا في خطر حقيقي ولا يمكن لهذا الإرهاب الذي يضرب بلدي أن يبقى في مكانه فهو بالضرورة عابر للحدود ليس فقط بأشخاصه وإنما بثقافة الإرهاب التي يُمكن أن تُولّد إرهابيين في أي مكان في العالم دون أن ينتقلوا عبر الحدود.
إنّي باسمي وباسم زملائي وباسم من نُمثّل من شعبنا في سوريا أحييكم بتحية السلام التي نفتقدها اليوم في منطقتنا. والأمل بكم وبأمثالكم من الأحرار والتوّاقين إلى صنع السلام في هذا العالم من أجل البدء بتنفيذ الفقرات التي أوردتموها وأكثر من ذلك بكثير.
إن الحديث عن قضية النزوح القسري للسوريين لا يمكن أن يستقيم بمعزل عن مسبباته، والتي يأتي في مقدمتها الإرهاب، الإرهاب الذي استهدف بعض المناطق ودفع سكانها للنزوح سعياً للأمان والحماية التي وفرتها لهم الدولة السورية، ولا يستقيم الحديث بمعزل عن ذكر التأثيرات السلبية للإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي استهدفت الشعب السوري وساهمت في خلق ظروف وأوضاع صعبة دفعت العديد من السوريين للنزوح والهجرة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل.
وأخيراً...
إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين لايزالون بانتظار تمكينهم من ممارسة حقهم في العودة إلى بيوتهم ووطنهم الذي هجّرهم منه الاحتلال الإسرائيلي تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم 194 هي المشكلة الأكبر التي تواجه منطقتنا على امتداد العقود المنصرمة، ورغم مئات القرارات التي اعتمدتها الأمم المتحدة، لا تزال قضية اللاجئين تؤرّق الضمير العالمي بسبب تعنّت سلطات الاحتلال ورفضها الامتثال لقرارات الأمم المتحدة وإصرارها على إدامة وتكريس احتلالها.

وشكرا...
جنيف 27 آذار 2018