www.parliament.gov.sy
الأحد, 19 تشرين الثاني, 2017


كلمة السيد حموده صباغ رئيس مجلس الشعب بمناسبة الذكرى 47 للحركة التصحيحية المجيدة

كلمة السيد حموده صباغ رئيس مجلس الشعب بمناسبة الذكرى 47 للحركة التصحيحية المجيدة

أيتها الزميلات، أيها الزملاء:

أسعد الله صباحكم.
قد يتساءل البعض عن جدوى الاحتفاء بالذكرى التصحيحية اليوم وسورية تواجه قضايا مصيرية وتتصدى لحرب إرهابية غير مسبوقة في وحشيتها وشهوتها الجامحة للقتل والتدمير...
هل هذا السؤال له ما يسوغه.؟؟؟
بالتأكيد لا .....
فعندما نواجه عدواً إرهابياً مدعوماً بأعتى قوى الاستعمار الحديث.... وعندما نحمل البندقية في يد ومعول إعادة الإعمار في يد.... عندها نكون بأشد الحاجة للعودة إلى جذور واقعنا الفكرية والتاريخية....
لماذا.؟!
هناك سببان على الأقل:
أولاً- لأن العودة إلى جوهر الواقع وجذوره يسهم في إنارة وعينا حول حقيقة ما يجري...
وهذه المعرفة ضرورية ليس فكرياً فحسب وإنما عملياً أيضاً. ذلك لأننا لا نستطيع المواجهة بشكل فعال إن لم يكن وعينا لما يحدث كاملاً وشاملاً. فالمعرفة لا تتحول إلى دافع للعمل إلا إذا كانت مستندة إلى كشف الجوهر والجذور.
ثانياً- لأن أعداءنا ما كانوا بحاجة لحشد هذه الترسانة الإرهابية والاقتصادية والإعلامية والنفسية الضخمة، لو لم يكونوا على يقين بأن خطر سورية التصحيح على مشاريعهم أصبح كبيراً. وهذا يعني أن سورية التصحيح نجحت في بناء دولة مستقلة في منطقة عزَّ فيها الاستقلال الحقيقي، ونجحت في مشروعها لمواجهة الصهيونية والاستعمار الحديث نجاحاً جعل منها مركزاً يهدد مشاريعهم تهديداً حقيقياً....
لذلك كله.... إن الاحتفاء بالذكرى هدفه ليس شكلياً... ولا احتفالياً... وإنما معرفياً أولاً، وتحفيزياً ثانياً، ومعززاً للثقة بالنفس ولليقين بحتمية الانتصار ثالثاً...
فالفعل لا يكون فعلاً مؤثراً إلا إذا كان مستنده الفكري حاضراً. وهكذا يكتسب الفكر وتكتسب المعرفة مضموناً عملياً يسهم في صناعة التاريخ...
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى الاعتبار والتبصر بجوهر الحركة التصحيحية.. بمعانيها ودلالاتها.. ذلك كي نكون واقعيين بمعنى أن نقراً الواقع قراءة واضحة تعزز من قوتنا للتغيير نحو الأفضل.. هكذا يتم الربط بين الاحتفال والاعتبار... بين التفكر والفعل... بين معرفة الواقع وتغييره..
وهنا أذكركم بقول مأثور للسيد الرئيس بشار الأسد ركز فيه على قراءة الواقع قراءة واضحة تستند إلى المعرفة بالجوهر. قال سيادته:
( كلما تكلم الإنسان شيئاً يقولون له كن واقعياً! لنحدد الواقعية ولنعرف ما تعني الواقعية، هناك شخص يخضع للواقع، وهناك شخص يقرأ الواقع، نحن ندعو لقراءة الواقع بوضوح وبدقة ومن ثم تغيير الواقع....)
من خطابه في مؤتمر القمة العربية – القاهرة 2001
إننا في التصحيح نرفع أسمى آيات التقدير والإجلال إلى روح مبدع التصحيح، القائد المؤسس حافظ الأسد، وإلى أرواح شهدائنا في معاركنا من أجل حماية التصحيح والدفاع عنه...
كما نرفع أسمى آيات الولاء والوفاء للقائد الوطني والقومي السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد، الذي يقود بكل حكمة ودراية تصدي شعبه لحرب من أعتى وأقسى ما واجهه نهج التصحيح منذ قيام الحركة عام 1970.
وإلى جيشنا الباسل.. كل معاني التقدير والاعتزاز ببطولاته وبإبداعه في محاربة ما لا يستطيع جيش غيره مواجهته بهذا الزخم وهذا الإيمان بالنصر..
وإلى شعبنا الأبي كل الالتزام بالعهد الذي قطعناه بأن نعمل بكل جهد من أجل الارتقاء بالواقع نحو الأفضل.. ووضع القوانين التي تدعم هذا الارتقاء بما يناسب عظمة هذا الشعب وعظمة صموده وتضحياته..
وإنني إذ أهنئكم جمعياً بذكرى التصحيح أود توجيه سؤال منطقي اليوم.. وهو سؤال إثباتي بالتأكيد: هل توافقونني على أنه لو لم تستند سورية إلى نهج التصحيح في بنائها السياسي والتنموي لأصبحت اليوم واحدة من هذه الدول الهزيلة في المنطقة التي لا تعرف من الاستقلال سوى العلم والنشيد الوطني.. ولا تملك من السيادة سوى مراسم استقبال ملوكها ورؤسائها؟؟!
لقد أكدت سورية التصحيح أن الاستقلال الحقيقي هو استقلال القرار واستقلال الخيار.. فمفهوم الكرامة والعزة بالنسبة للشعوب ليس مفهوماً قيمياً وأخلاقياً فحسب، وإنما هو قبل كل شيء مفهوم سياسي ووجودي يستند إلى استقلال القرار، لأنه لا كرامة لمن ليس لديه استقلال القرار..، ولا استقلالاً حقيقياً لمن ليس لديه كرامة!
هذه هي دروس التصحيح ودلالاته؟؟ إنه نهج حياة.. ونهج عمل.. وهو فلسفة وجود.. وباب أمل.
ومن أهم ما اخترت اليوم في - هذه العجالة - من دلالات هذا النهج ما يأتي:
أولاً- إن الاستقلال الحقيقي هو مضمون الوطنية الأساسي.. ولا وطنية من دون استقلال...
ثانياً- إن العروبة هي جوهر الوطنية. فمشروعنا القومي هو جوهر وطنيتنا السورية، وكلما التزمنا بالعروبة تعزز التزامنا بالوطنية.. مع التأكيد على أن العروبة ليست مفهوماً عرقياً وعنصرياً بل هي وجود تاريخي وحضاري وثقافي لكل القاطنيين على الأرض العربية... العروبة مفهوم أونتولوجي وليست مفهوماً عرقياً..
ثالثاً- إن نهج التصحيح يؤكد المشاركة بين جميع الوطنين في امتلاك الحقيقة.. عند كل منهم جزء منها، كبر أم صغر، ولا تستعمل الحقيقة في كليتها إلا عندما تتكامل الجهود في تشاركية كاملة ومنسقة من أجل الخير العام.. خير الوطن.
رابعاً- نهج التصحيح يرفض المعايير الفئوية.. فالمعيار الوحيد للتقييم هو المعيار الوطني.. وجوهره المعيار العروبي في مفهومه الحضاري...
خامساً- نهج التصحيح يؤكد الثبات لكنه يرفض الجمود.. وهو يؤكد تداول الآراء ويرفض التعنت.. كما أنه يؤكد التفاعل ويرفض الانعزال..
هذا غيض من فيض دلالات التصحيح... فهل هناك بعد من يشك في أننا بحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى؟؟؟!
إن الاحتفاء بالذكرى معناه وهدفه التذكير بهذه الدلالات... لذا فإن هذا الاحتفاء له ما يسوغه بكل ما في الكلمة من معنى...

والسلام عليكم.