www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 2 تشرين الثاني, 2022


د. نبيل طعمة ضيف جريدة الثورة

يجمع المفكرون والمهتمون بالشأن الثقافي على أن الثقافة تحتل مكانة بارزة في تشكيل هوية أي دولة وتشكيل خصوصيتها وتميزها عن غيرها من الدول في الآن نفسه، ما يدفعها إلى السعي إلى تشكيل وتكريس تلك الخصوصية الثقافية المبدعة التي تستلهم روح المجتمع وتراثه وتاريخه.
فهل استطاع المشهد الثقافي في بلادنا أن يصنع لنفسه تلك المكانة في فضاءات الثقافة والإبداع، وهل تبنى المثقفون مشروعهم الثقافي وعملوا على إنشاء بيئة ثقافية ترتقي إلى مستوى الطموح؟
بهذه الأسئلة وعن واقع المشهد الثقافي كان اللقاء مع الباحث الدكتور نبيل طعمة المواكب للفعل الثقافي والمستثمر فيه، فكيف يرى الواقع الثقافي الحالي وهل نحن نعيش اليوم أزمة ثقافة؟
– السؤال مهم، لأنه يعود بنا إلى حقب زمنية مررنا بها في سورية، وأنا هنا أسأل: هل الواقع الثقافي في الماضي أفضل من الحاضر؟ وأجيب: بأن الفعل الثقافي في الماضي كان أكثر تميزاً، ليس من باب التفضيل، إنما من باب الشعور بضرورة نهضة الأمة، وبشكّل أدق أن الظروف التي واكبت فترة ما قبل الاستقلال والاستقلال وما بعدها، حملت شعوراً وطنياً استثنائياً.
وبعد ذلك ومع وصول العملية التطويرية وظهور البعث بثورته، حفز أيضاً الناس كثيراً لتطوير الفعل الثقافي، واستمر هذا التحفيز خلال فترة حرب النكسة، ومن ثم الانتفاضلا يتوفر وصف. عليها بحرب تشرين التحريرية، مما أفرز ثقافات متعددة كثقافة الافتخار بالوطنية وبالعروبة وبالانتماء وتطور الوفاء، إلى أن وصلنا إلى حقبة مركبة من نهاية السبعينات إلى منتصف الثمانينات الذي أظهر فكراً إرهاصياً الإخوان المسلمين» وحدوث التضاد والنقمات على أدائهم والانتصار بتحجيمهم إلى درجة كبيرة.
وتميزت فترة التسعينات، أي بين التسعينات والعام 2010 بظهور رؤى ثقافية مختلطة، وتحسن الوضع الاقتصادي إلى درجة كبيرة، ما أفرد مساحات هامة لظهور فكر ثقافي متنور بدأ يحدث افراجات كبرى في العمليات الفكرية التي واكبت التطور الاقتصادي والتطور العلمي، وشهدنا مساحات أكثر من هامة في الدراما السورية وفي النتاج السينمائي والمسرحي والموسيقي، أي أن عناصر الفنون السبعة أخذت حضوراً نوعياً العمارة، النحت، الرسم، الموسيقا والمسرح والرقص والسينما».
وهذا كان دليل صحة في الشكل، إلا أن المضمون بقي هشاًواعذريني لهذه المصارحة» والسبب أن البناء الجوهري مازال يحيا صراعاً بين الدين والعلم العلماني، أي لم نستطع حتى اللحظة فهم العلمانية ولا بناء الفكر الديني الصحيح، وهنا تكمن المشكلة التي أعتبرها أهم سبب في تأخير حضور الشخصية الثقافية الحقيقية.
– هل استطعنا أن نبني هويتنا الثقافية القادرة على مواجهة تحديات العصر؟
— الثقافة بند رئيس من بنود الهوية الوطنية للشعوب والأمم، وهي ليست عرضاً مسرحياً أو حفلة موسيقية أو معرضاً فنياً، إنما هي جين يحتاج إلى الصقل والتهذيب والتدريب من أجل الحفاظ على الهوية.
فإذا نظرنا اليوم، ما هي هويتنا الثقافية، هل لدينا هوية معمارية أو هوية فنية أو موسيقية؟ صحيح أن الإنسان هو مقلد دقيق لمخرجات الحياة الروحية، ولكن في هذا التقليد إبداع، أين هي إبداعاتنا في النحت والرسم والموسيقا والعمارة، وفي صنوف الفنون التي ذكرتها، كي نستطيع القول :إن لدينا هوية ثقافية، هل حافظنا على التراث الجديد من مخزون الثقافة العربية؟
– هل أخذنا ثقافة الغرب وتبنيناها؟
في الاعتراف، نحن تائهون حتى اللحظة بين الجنس والعباءة والحطة والشماخ، أين نحن من رسم صورة نحقق من خلالها حضور التراث اللامادي الحقيقي من مهننا اليدوية التي فقدنا حضورها إلا في الشكل، أو اتجهنا إلى رسمها وتدوينها في بعض من مؤلفاتنا.
أنظر إلى الثقافة بأنها جمل أخلاقية تحيا ضمن الإنسان وتظهر عليه في الفعل والحركة والأداء، وبعد هذه المسيرة الطويلة التي عملنا عليها، أجد أن الثقافة تحتاج إلى مشروع نهضوي كبير، تشارك فيه وزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة التربية بشكّل خاص، هذا المثلث الذي يبدأ من الطفولة وينتهي بالصورة التي ينقلها الإعلام ويعززها في نفوس المواطن.
– كيف تنظر إلى الثقافة في وضعها الراهن؟
– هي ليست بخير -في المختصر المفيد- حيث مورس على بلدنا ومجتمعنا ومؤسساتنا وخلال عقد من الزمن أخطر عدوان متعدد الأشكال من الإرهاب إلى الاعتداء على أجزاء من جغرافيتنا، ووقوع مجتمعنا تحت مؤثرات خلقت اضطراباً فكرياً ليست بالسهلة، ما أدى إلى ظهور وضع اقتصادي سلبي، هو من مخرجات الحرب الظالمة، وأن عدم الاهتمام بالثقافة مسبقا أدى إلى إحداث جروح مؤلمة في مشروعها، وإنساننا السوري المقتدر منه ماديا والمتعلم منه، لم يدخل إلى الاستثمار في عالم الثقافة بشكّل جدي، فهناك ومضات أو بوارق، لكنها لا تكفي.
فلدى الكثير من المجتمعات مشاريع فردية، تتحول إلى جماعية دون توجيه، أي أن كلّ فرد يحمل هماً اجتماعياً ووطنياً، فنرى في كثير من المؤسسات لدى الدول الأخرى نسبة من الدخل توجه إلى الاستثمار في الثقافة.
الإعلان الجيد عن شركة أو عن منتج، وتقديم محتوى إيجابي عنه، يعد جزءاً من الاستثمار الثقافي، والإسهام في منظومات البحث العلمي والصحي وإنتاج الدواء والاهتمام بمرضى الاحتياجات الخاصة كمتلازمة داون، ومرض التوحد، السرطان، الكلى هذا كله يمنح صورة عن نجاح المجتمع.
ونشر كتاب وتشجيع الشباب على الإبداع بعيداً عن النقد والاعتراض، أي اعتماد مبادئ البناء، بناء الإنسان والشجر والحجر، هو أيضا جزء من الاستثمار الثقافي.
نحن حتى اللحظة لا نمتلك ثقافة رعاية المسنين ولا ثقافة المساعدة أو الإيثار رغم أنها من أهم ثقافات بنائنا الروحي، فأهم عملية استثمارية في رأيي الشخصي، كي ننتج في كلّ ما تحدثنا حوله، وكي نتجاوز الكثير من السلبيات، هو الاستثمار في بناء الأسرة، فإذا بنينا أسرة منطقية وواقعية تعرف ما لها وما عليها وعززناها في التعليم الأساسي، وجذرنا مبادئ الأخلاق وتعوّد القراءة والبحث، وفسح المجال للطفولة بأن تسأل وأن تجد الجواب المقنع، أجزم أننا نحقق حضوراً نوعياً نبني فيه ركناً هاماً من أركان الهوية الوطنية.
وفي كلمة أخيرة يتوجه د. نبيل طعمة إلى القادرين من العلميين ورجال الأعمال والصناعيين والساسة، لخلق مساحات للثقافة، لأن المنتج والشكّل والكلمة والبناء، هم صورة حقيقية عن منظومة الإنسان ودرجة ثقافته.
العدد 1118 – 1-11-2022