www.parliament.gov.sy
الاثنين, 20 نيسان, 2020


مماحكات فكرية .. د نبيل طعمة

يجب أن نعيد للكائن البشري الذي قنّنته الحياة بما تحمله من ضغوط شخصيته ككائن بشري إلى معرفة أسباب وجوده، من حيث إنه غدا مختلفاً مع نفسه، وعدواً للآخر الذي من جنسه. أبدأ من هنا، وأسأل: هل تكون أنت وكيف تكون؟ حاول أن تجيب، تسأل، كيف؟ إذا لم تعرف فأنت لست أنت، وأنت مختلف مع جوهرك لن تجد الجواب.
 مؤكد أنك تبحث عن فرصة، هذه التي لو أعطيت للجميع لما كان هناك خطيئة، ولكان الجميع صالحين، ومن دونها تتحطم الروح نتاج ذاك الاختلاف، على الرغم من وجودك في الواقع تفكر في لحظة فشلك أنك عاجز عن إنجاز بعض مما خضته من تجارب في الدراسة والحب والعمل، هذا يعني أنك تبحث عن الفرصة، فإن لم تجدها ومهما طال وجودك فلن تتحرك، لأنك لم تتصالح مع جوهرك، إذاً عليك الشعور بشيء آخر كي يعيد لك إيمانك بشيء ما آخر أو غيره، فإن تؤمن بذاتك فمؤكد أنك وضعت قدماً على طرق الحياة.
 هل الإنسان يخطّ قدره بيديه؟ وإيمانه إن سكنه فهل يحقق له أحلامه؟ فمن دونه ربما تفقد الحب، وتمتلئ بالضغائن والخطيئة، ماذا تخفي في صندوقك الأسود الذي تحمله بين جنباتك؟ هل تقدر على فتحه أو فرد بعض مما تحفظ فيه؟ ملأته مسيرتك الحية، والذي منه تمّ اختراع صناديق الطائرات والسفن التي تقرأ بعد دمارها، من يقرأ صندوقك بعد رحيلك؟ هل الانتقام ضربٌ من ضروب الانفلات العقلي، كلما تفعّل في الإنسان وجب على القانون أن يتابعه ويجرمه؟ وهل المنتقم ندٌّ للمعتدى عليه؟ حقاً إن الوساوس كالخفافيش بين الطيور، لا تطير في الرأس إلا في الظلمات.
ما معنى أن تكون صديقاً أو وفياً أو وطنياً أو مخلصاً أو مؤمناً أو كافراً؟ معذرةً الكفر إيمان بشيء آخر، ما الذي يجمع بين كل ذلك؟ وفي الوقت ذاته كيف بك تكون ماجناً أو مارقاً أو منافقاً أو لصاً أو مادياً أو مدعياً تطرح الأخلاق ولا تعمل بها، ولا تقبّل الأيادي وتضمر لها الضغينة؟ أين أنت من كل ذلك؟ تفكّر أنّه في مكان ما من داخلنا يسكن الشيطان والإله معاً، مع من تكون كي تنتصر على ما تواجهه من عقبات؟ الغضب يفتك بالجمال، الهدوء يبحث في تفاصيله، يصلح الآيل منه للخرب أو المنتهك بفعل التآكل الطبيعي أو بالاعتداء البشري غير المدرك لقيمته وقيمه، فهو كالأنثى التي تشكل الحياة، ومن دونها كما أنت لا حياة.
 من يسرق الحب؟ من يغني الشغف به؟ من يعزف ألحانه؟ هل أحببت؟ هل فقدت الحب لأنك لم تدرك قيمة الجمال؟ هذا الذي يُتوئِم الروح مع المادة، ويحول أحلامك المأسورة إلى منتج، يدقق الآخر في تفاصيله، فيعلم أنك استطعت تغيير زمنك، وإذا تشيطنت لبستك المآسي، ترسم على وجهك الذعر، ترميك في مغاور العتمة، تتمتم شفاهك بالهذيان، تغدو معها عنيفاً أو مطيعاً، هذا يدعوك لتعلم الحب من جديد، حيث يتحدد نجاحه من عاملي الثقافة والذكاء، فالثقافة تاريخ، والذكاء جبن واستلهام من المحيط التكويني الذي يبني في فكرك تكويناً، إضافة إلى تخصّصك العلمي، يتحدث عنك ليعرفك الآخر من دون أن يسألك: من أنت؟
مؤكد أن الأخلاق نحتت في عالم المثل العليا، والإنسان ابن الخطيئة، هذا الذي لا يمكن لكائن معايرته علمياً بحكم تناقض مرتكزاته وتعدد كيفياته وتنوّع آلياته الفكرية، التي تؤكد للإنسان حضوره، هل يحقق البطولة وحده؟ هل هو إنسان قدري أم معرفي أم علمي، أو أنه يؤكد نفسه عبر الخطيئة؟ أو في ارتكابه للجرائم المتنوعة ؟ كيف يُعرف النبل إن كنت منعزلاً؟ أليست هذه السمة مرتبطة بالمجموع البشري المتحدث عنها؟ وإذا كان هذا الكائن البشري ضمن المجتمع يعود عليه هذا المجتمع ليستخرج منه كل ما يمكن أن يعطيه.
 اسأل فكرك كيف يعمل وما علاقته بالجسد؟ كيف يسيّره وما آليات عمله ومن يشغله؟ معضلة ينبغي عليك التفكر بها، ومن ثمّ ما علاقته بالنشاط والكسل والجنس والإدمان والنجاح والفشل على كل شيء؟ مثلاً القهوة، التدخين، الكحول، المخدرات، الجنس، كم عادة سرية تمارسها في خلوتك، العمل، الإنتاج، الإبداع....إلخ، وأهم سؤال هو عن الحب، وهل كل ذلك يدخل تحت بندي الاعتياد أو الإدمان؟ وهل يكون عيباً فكرياً أو خللاً اجتماعياً أو مرضاً اجتماعياً؟
هل تحب المرأة كما تحب نفسك؟ لماذا تسعى إليها؟ لماذا تستعبدها وأنت تبحث عنها طوال حياتك؟ كيف تتعامل معها؟ للمتعة والتسري أم للاستقرار والسكينة، أم لتكوين منزل أبناء أسرة ناجحة؟ فالغزل والتشبّب بين جزأي الإنسان يجب أن يكون بالتساوي، فلها الحق في الحياة والغزل لكونها نصف الحياة بالاعتراف، ومن دونها لا حياة، هل تقف إلى جانبها إن نجحت، أم إنك تسعى خفيةً لتحطيمها؟
هل تفكرت بأن الزواج مقدس، ومعه فقط تقدر أن تنام بعمق، ومن دونه يعتريك الخوف من الفضيحة، ومادام الإنسان استثناءً ونموذجه شديد الخصوصية، ووجوده يجسد منحوتة صماء لا يمكن اختراقها، وقدراته على التعاطي مع واقعه هائلة بحكم أنه يمتلك التناقض، فله خصوصية التعامل مع الثوابت وانجذابه للمتغيرات بلا حدود، يستخدم النقد أثناء تحولاته ومنهجياته ووسع مساحته، لذلك أسألك: هل تستطيع فتح موضوع يحمل بعضاً من أسرارك مع الآخرين؟ أؤكد أنك لن تفعل، ولن أسألك لماذا؟ لأنه موضوع شائك وصعب أن تتوغل فيه مع أي شخص، فملكتك الخاصة التي تغلق أبوابها على نفسك وضمنها تجاربك الشخصية غنية بما لا تريد استحضاره مع الآخر، من العادة السرية والتلصص والخيانات الفكرية والفشل في الحب أو في العلاقات الجنسية، أو العهر الذي مارسته أو أردت أن تمارسه أو تتخيله، فإن فتحت ربما تفقد احترامك لنفسك أمامه أو ثقته فيك.
كيف تعامل والديك معك أثناء مرورك من سني الطفولة والمراهقة والشباب؟ وكيف ستتعامل مع أبنائك لاحقاً؟ ضرورة هنا أن تجيب فكرك ونفسك وتناقشهما، من الضروري جداً أيضاً أن تبدأ نقاشاً حول الجنس بينك وبين زوجتك أو حبيبتك أو صديقتك، وأن تكون هناك مصارحات، فهي التي توصلكما إلى النشوة والحميمية، وتجعل من الحب حدثاً رائعاً، لا رغبة جسدية أو علاقة عابرة، ما العلاقة بين الحاجة إلى دليل، أو إلى إثبات أفكارك وحضورك؟ فالحاجة المصنعة الأولى تحتاج الاجتهاد والمعرفة والعلم والعمل واعتراف الآخر، والثانية تلتهمها جاذبية الطمع والجشع والنفاق.
 هل أنت مؤمن؟ إذا كنت كذلك، فبماذا تؤمن؟ بالإنسان الآخر، بالطبيعة، بالسيطرة والقوة والمال، هذه التي تفقدك حريتك بالكون ونقاشك حوله، هل هو مادي أم لا مادي؟ هل هو كائن أم شيء؟ هل تستطيع تعريف الشيء أم إنك ستبقى تشك؟ وهل الشك سيأخذ بك إلى اليقين، أم إنك ستبقى تدور حوله فينهيك؟
طبعاً أجدك خائفاً مما يقفز لذهنك من أسئلة تشكل لك الرعب، المهم ألا تعتبرها من الكوارث التي تدفع الإنسان اليوم إلى القلق على حياتك وأعمالك وعلاقاتك، إنك بحاجة ماسة للتفوق على نفسك وقيادتها، فأنت بين بداية ونهاية، لا ترتبك، فلا أهمية للواقع الما فوق إنساني، فإن كنت جيداً فستتبادل السعادة مع الآخرين، وإن كنت سيئاً فستكون درساً لمن يحيط بك. مماحكات فكرية.. أسئلة تخترق الفكر والروح والوجدان، تحليلها والإجابة عنها يعتبر خطوة مهمة تضعك في حالة النهوض الإنساني، وترقب خواطرك التي يسودها الاضطراب، وتدفعك إلى مرتقى الزمن.