www.parliament.gov.sy
الخميس, 4 تموز, 2019


سورية ومحور المقاومة: الاعتداءات الإسرائيلية والتوترات في سورية د. حسين راغب

منذ العام 2011، شكّل الصراع السوري تحديات سياسية وعسكرية كبيرة في منطقتنا، وفي خضام الحرب التي يقودها الجيش السوري مع حلفائه ضد الإرهاب في سورية، ومع ترافق ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014، بدأت الأمور تتعقد وتتجه شيئاً فشيئاً إلى اللا مجهول، وخاصة بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية والناتو التدخل عسكرياً في سورية بحجة الحرب على التنظيم الإسلامي (داعش) الإرهابي من جهة ولدعم الفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى بالإضافة إلى دعم الفصائل الكردية في الشمال التي تسعى للانفصال والحصول على مطلبها بقضم قطعة من الجغرافية السورية الممتدة على الشريط الحدودي السوري مع تركيا ابتداءً من محافظة القامشلي في الشمال الشرقي السوري، ووصولاً إلى مدينة عفرين في الشمال الغربي السوري.
على الجانب المقابل ترى إسرائيل أنّ التوترات المتزايدة على حدودها الشمالية خطيرة للغاية وتثير المخاوف بشكل كبير بسبب الخوف من اندلاع مواجهة مع "حزب الله" الذي أصبح متواجداً في سورية لدعم عمليات الجيش السوري ضد الإرهاب في سورية، بالإضافة إلى مخاوفها من نشوب نزاع عسكري مع إيران والتي تتواجد عسكرياً بشكل كبير في سورية بحسب مسؤولين إسرائيليين. 
ولفهم هذه التوترات كان من الواجب تفصيلها في عدة عوامل أساسية هي:
إن العمليات العسكرية للجيش السوري مع حلفائه وعلى الأخص حزب الله اللبناني في ملاحقة الفصائل المسلحة في الجنوب، تثير مخاوف إسرائيل من قدرة حزب الله على حصوله على صورايخ ذات دقة عالية في لبنان، وهو الذي من شأنه بأن يدمر البنية التحتية في إسرائيل في حال نشوب أي نزاع مسلح 
بين الطرفين.
العامل الثاني يتركز حول الوجود العسكري الإيراني في سورية، فتواجد ضباط ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني في سورية لا يروق للإسرائيليين، كما أن تعزيز قدرة الدعم العسكري لخط
طهران-دمشق-بيروت، هو أمرٌ يصنفه الإسرائيليون بالشديد الخطورة. 
العامل الثالث يتركز حول نجاح قوات الجيش العربي السوري مع حلفائها بالقضاء على الفصائل الإرهابية المسلحة وخاصة في محافظة درعا في الجنوب الغربي السوري، وفي المدن الحدودية مع الجولان المحتل، حيث أنّ إسرائيل عملت جاهدة منذ بدء الأزمة في عام 2011 في سورية، لدعم هذه الفصائل من خلال تقديم المساعدات الطبية والمعدات اللوجستية والعسكرية لهؤلاء، وأكبر دليل على ذلك هو عثور الجيش السوري لأكثر من مرة على معدات وأسلحة إسرائيلية الصنع بحوزة الفصائل المسلحة المتمركزة في مناطق الجنوب، وهذا إن دلّ على شيء فهو دليل واضح على دور الإسرائيليين في محاولة إسقاط الدولة في سورية، في إطار إضعاف الجيش السوري وإضعاف قدراته، فإسرائيل تدرك أنّ أية مواجهة عسكرية مستقبلية مباشرة مع سورية لن تكون عواقبها حميدة للإسرائيليين أيضاً. 
الضربات العسكرية الإسرائيلية في سورية 
منذ العام 2011 لم تنكفئ إسرائيل عن محاولتها بشتى الوسائل العسكرية والسياسية والمالية، عن دعم أي قوى أو جهود تهدف إلى إضعاف محور المقاومة في سورية ( إيران- سورية- حزب الله)، ففي أيلول 
عام 2018 أعلن وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتز، أنّ إسرائيل قامت في العامين الأخيرين فقط 2016-2017 بأكثر من 200 عملية عسكرية في سورية نفسها، حيث قامت إسرائيل على حد تعبيره باستهداف مواقع وقوافل تابعة لحزب الله اللبناني بالقرب من الحدود اللبنانية، كما أنها استهدفت شحنات صواريخ كانت متجهة من سورية إلى حزب الله في لبنان. 
في شهر شباط من العام 2018، قامت إسرائيل بالاعتداء على عدة مواقع عسكرية داخل سورية، القوات السورية قامت رداً على ذلك بإسقاط طائرة أف-16 إسرائيلية، في رسالة واضحة للإسرائيليين أن لعبة التوازنات الإقليمية قد تغيرت في سورية، وأنّ الرد السوري سيكون دائماً حاضراً وجاهزاً في الوقت والمكان المناسبين. 
وقد اعتبر هذا الحدث الأول من نوعه منذ 35عاماً على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو، لكن واقع الحال هو غير ذلك فحرب تموز عام 2006 في لبنان كانت أكبر دليل على نجاعة القدرات العسكرية السورية في مواجهة إسرائيل وإن لم تكن حينها على أرض سورية.
في الواقع إن الضربات العسكرية الإسرائيلية السافرة في سورية بدأت بنطاقها الواسع في العام 2018، حيث أنّ إسرائيل قامت للمرة الأولى باستهداف مباشر للمنشآت وللموظفين السوريين في أيلول
عام 2018، وذلك عندما قامت باعتداء على مواقع في محافظة اللاذقية في سورية، بحجة أن هذه المنشآت التي قامت باستهدافها، هي منشآت تقوم بتصنيع أنظمة أسلحة دقيقة ومميتة! نيابة عن إيران 
في سورية، و يراد إرسالها إلى حزب الله في لبنان.
الرد السوري على إسرائيل كان واضحاً حيث شغّلت سورية بطاريات صورايخ الدفاع الجوي في وجه الطائرات والصواريخ الإسرائيلية القادمة من جهة البحر، و لكن المواجهة أسفرت عن إصابة طائرة روسية أصيبت في الخطأ يومها، مما أدى إلى مقتل 15 فرداً من القوات الروسية. 
على إثر هذه الحادثة، أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الروسية عن خطط، من أجل توفير نظام الدفاع الجوي من نوع س- 300 إلى سورية وهو ما اعتبره الإسرائيليون تطوراً خطيراً للغاية، وكانت سورية قد حصلت على نسختها من نظام الدفاع الجوي س-300 في شهر تشرين الأول من عام 2018، وكانت عبارة عن ثلاثة كتائب من نظام الدفاع الجوي تشمل كل كتيبة منه أكثر من 100 صاروخ موجه. 
شهد شهر كانون الثاني من العام 2019، تواتراً متزايداً بين كل من سورية وإسرائيل، وذلك بسبب تواجد عناصر عسكرية إيرانية ومن حزب الله تعمل في سورية، حيث قامت إسرائيل مرة أخرى باستهداف منشآت و مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري بحجة أنها كانت تستهدف مواقع عسكرية إيرانية في سورية.
كما أنّ إسرائيل اتهمت حزب الله في الشهر نفسه بتأسيس خلية في مرتفعات الجولان المحتل، من أجل استهداف مواقع وقوات إسرائيلية في تلك المنطقة. 
في يوم الاثنين الماضي الأول من شهر تموز، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية مرة أخرى بالاعتداء على عدة مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري في سورية خلال الليل، حيث أسفرت هذه الهجمات عن مقتل عدد من الجنود والعاملين و عدد من المدنيين.
وفي تفاصيل الحادث انطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية لتضرب مواقع سورية من المجال الجوي اللبناني، وقد ذكرت وكالة سانا السورية للأنباء أنّ الغارات الإسرائيلية أسفر عن مقتل طفل وأربعة مدنيين، وأنّ الاعتداء كان قد استهدف مجموعة من المواقع في كل من دمشق وريف دمشق ومدينة حمص. الإسرائيليون وعلى لسان صحيفة هآرتس ادعوا أنّ الضربات الجوية استهدفت مواقع تابعة لإيران وحزب الله في سورية، كما أنها استهدفت شحنات أسلحة كانت تتجه من سورية إلى حزب الله في لبنان، وأنّ الانفجارات الشديدة التي حصلت كانت نتيجة استهداف مخازن ذخيرة وأسلحة على حد تعبير الصحيفة. ولكن كما في طبيعة الحال رفض المسؤولون العسكريون والحكوميون الإسرائيليون التعليق على الحادثة، في إطار التماشي مع سياسية الغموض المعتادة من قبل الإسرائيليين في عملياتهم العسكرية وخاصة
في سورية، وهو في الواقع نهج تتبعه إسرائيل لتجنب الرد من قبل قوات الجيش السوري وحلفائه عليها 
بغية الانتقام.
فنجاح الجيش السوري في عملياته العسكرية مؤخراً في مناطق الجنوب، وتعافيه ولو بشكل بطيء أصبح عاملاً يؤرق الإسرائيليين ويثير مخاوف عديد من المسؤولين العسكريين والحكوميين الإسرائيليين. 
إن تسارع الأحداث في المنطقة وتواليها بهذا الشكل السريع، من استعادة الحكومة لزمام السيطرة وتحرير الأراضي التي كانت تسيطر عليها الفصائل المسلحة وعلى الأخص في مناطق الجنوب وعلى الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، بالإضافة إلى اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، هي مجموعة من العوامل تحمل خفايا كثيرة و تقود بطبيعتها إلى حالة من الضغط الكبير والذي سوف يقود على الأرجح إلى حالة انفجار عسكري وسياسي قريب في المنطقة، وستكون إسرائيل هي أول المتضررين منه في حال حصوله. 
في الخلاصة هنا، نلاحظ وجوب تحديد بعض النقاط الرئيسية التي تلخص حالة الصراع السوري- الإسرائيلي منذ العام 2011، فسورية هي أفضل من عمل على لعبة التوازنات الإستراتيجية في المنطقة، كما أنّ البعد الإستراتيجي للسياسية الخارجية السورية و قوة الجيش السوري بالإضافة إلى العلاقة الجيدة والمتينة بالحلفاء،أدى بطريقة و بأخرى لدعم الدولة السورية وعدم السماح بانهيارها، فرغم الضغط والدعم السياسي والعسكري والمالي، للفصائل المسلحة المعارضة للحكومة من قبل عديد من الأطراف الإقليمية والدولية من خلفها، إلاّ أنّ الدولة السورية بقيت ثابتة وقوية وقادرة على رد العدوان عن سورية، وإن كانت هذه العملية بطيئة وجزئية في بعض مراحلها، ولكن حجم العدوان مقارنة بالقدرات السورية على كل الأوجه كان غير متصور وغير محتمل.
على صعيد المواجهة مع إسرائيل، فالمواجهة قادمة وحتمية مع العدو، لكن الزمان والمكان المناسبين هما العنوانين الأساسيين لهذه المواجهة، وحتى نكون أكثر واقعية، فإن اجترار سورية الآن أعتقد إلى حرب مباشرة مع إسرائيل لن يكون إلاّ لخدمة الفصائل المسلحة وخاصة في الشمال وفي خدمة القوات الداعمة لها، فالأولوية تكمن اليوم في معركة إدلب، والتي إذا تم تحريرها في القريب العاجل، ستكون بداية النهاية للأزمة السورية و مفتاحاً لحل القضايا الأخرى، بما فيها الملف الكردي في الشمال، وملف الجولان في الجنوب.