www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 10 تموز, 2024


الدكتور نبيل طعمة يكتب : القوة في الصمت

المشهد يتحدث عن انتصار للعقول المتمترسة بين حدود السكينة، هذه التي لا تؤمن بالتطور، تتمسك بجنبات التجارب وتتفاعل مع تدحرجات الفوضى التي تربك نشأتها، وتنمو وسط مخاوف تأثيراتها التي لا توقف الحروب ولا تخفف من الآلام والأوجاع التي تتكبدها الشعوب، معتبرة أن الخسائر في الأرواح والممتلكات غاية، وهي من ضرورات إعادة البناء، مما سيؤدي إلى أن يغدو الكل أعمى وأصم وأبكم، لا يرى لا يقرأ لا يسمع ولا يحلل، بل سكون يخيم وانتظار للمبادرات، وكأن الكل بعيد عن الإدراك، العقلاء فقط يتحدثون بأن الإنسان يجب أن لا يخسر أبداً، فإما أن يفوز، أو بالحد الأدنى، يتعلم درساً من سقوطه أو جهله ، هذا الإنسان ،القوي جداً والضعيف في آن، كي يحيا بأمان عليه أن يتكلم قليلاً وأن يمر من السكون إلى الحركة مرور الكرام، بهدوء وبصمت، فمهما قدمت لبعضك أو لكلك، ومهما ضحيت من أجل الآخر ستغدو مهملاً إن توقفت يوماً عن فعل ذلك، ومبدأ القوة يحمل قيم احترام الآخر؛ الذي يعني أنك لا تحتاج إليه؛ إنما تتعامل معه من أجل إنجاز شيء ما، وهنا أؤكد أن الصمت لا يعني الموافقة أو القبول أو الخضوع؛ إنما يشير إلى أننا مللنا من التفسير والتبرير للآخر الذي لا يريد أن يفهم أو يستوعب حالة ما أو وضعاً مركباً ومعقداً ينبغي العمل على تفكيكه بمعرفة وهدوء، أجل كنت أظن أن القوة في الرد، لكنني وجدت أن الصمت والتغافل والتجاهل أقوى، فهو الذي يمنح مساحات لبقاء النوافذ مفتوحة للاحترام والود والحوار، ويحول دون النفور من الآخر.

التزام الصمت أحياناً دواء وعلاج، ويكون ضرورة عند الحاجة إليه، لأن بعض الأشخاص لا يمكن علاجهم لا بالكلام ولا بالقوة، وهنا يجب التأكيد على أن لا صداقة بعد الغدر ولا احترام بعد الخيانة ولا ثقة بعد الخيبة، وعندما يؤلمك الصمت يعني أنك امتلكت النضوج الذي يحولك من إنسان يتألم إلى إنسان يتعلم، وإذا امتلكت الكثير من المعرفة فعليك أن تصمت عن معظمها، فإذا فعلت وتحدثت خسرت أشياء هامة  من فكرك وحضورك، كذلك إذا انسحبت من مواجهة خاسرة فهذا لا يعني بأنك  جبان، لأنك تكون قد أدركت بأن ما ستقوم به لا يستحق الرد ولا السعي للانتقام، مُر من بينهم، فالثمار الفاسدة سوف تسقط وحدها، وهنا أشير إلى أن التجاهل أحياناً يشكل درساً مفيداً لتعليم بعض البشر آداب الحديث واحترام الآخر، فأشدّ  الناس رقياً هم أقلهم حديثاً وأكثرهم حسن ظنٍ بالآخرين.

الصمت قوة، ومن الضرورة أن نستمع ونراقب ونتأمل أكثر مما نتكلم، المال لا يصنع الرجولة لأنه يحولها إلى حارس له، ومواقفها، وأقصد الرجولة، لا تباع ولا تُشرى، فالرخيص إذا وجد البديل أنكر الجميل، الأصيل فقط لن يتخلى عن مبادئه مهما كان البديل مُغرياً، وهنا أدعو لإجادة مبدأ الصمت، وأن يكون العمل فكرياً من خلال الصمت أو النقاش النوعي مع شخص مدرك ينتج الغنيمة ويولد الراحة الهامة لكل من يتعامل معه، حتى وإن خالفك الرأي، فمعه تتفتح آفاق جديدة، ومن يخبرك بأن الصمت يدوم فهو غير واع، على الرغم من أنه يصنع عند العارف ما لا يصنعه المتكلم، فالصمت لا يشكل فراغاً بل يكون ممتلئاً بالأجوبة.

نحن في زمن الظلمة، تكلم حتى أراك ورافقني كي أعرفك، ومعاً نقول: لنستحِ عندما يحل الفرح ولنخجل من الحزن، لنسرْ باتجاه الحياة بالحب والمعرفة والأمل، بعيداً عن نزعة الخوف التي نهاب أن تجرفنا إلى غياهب الجهل، وتلقي بنا في مهاوي الفشل المنتظر دائماً أمام أي نجاح.

الصمت أبلغ وعندما يبلغ يعني أنه قادر على العطاء وتحمل مخرجاته، تأكدوا أن لا أحد من البشر يستحق الحسد، ولو تفكرتم قليلاً، بدءاً من أنفسكم، لعرفتم أن الجميع مثير للشفقة ويستحقها، مما قدمت أرى أن الصمت محطات، وقراءته لا تعني القبول دائماً، أحياناً يعني أننا تعبنا من التفسير لأشخاص عصية على الفهم، وفي غفلة منا يشكل المحطة الأخيرة لكل الأشياء السعيدة والمؤلمة.

د. نبيل طعمة