www.parliament.gov.sy
الاثنين, 8 تموز, 2024


عضو مجلس الشعب جويدة ثلجة تكتب : لغة السلام

هل هناك من يعمل على إيجادها وتعزيزها وتفعيلها، في عالم غدت فيه الحروب هي اللغة الأم والأساس له؟

اللغة اصطلاحاً هي الأصوات، وكلام مصطلح عليه بين الأقوام يعبرون به عن أغراضهم في جميع مناحي حياتهم، واليوم أصبح هذا التعبير والتخاطب به يتم من خلال لغة الحروب، فأصوات البارود هي لغة هذا العالم المتهور الذي بدأ ينحدر إلى منحى خطير نحو الهاوية، فلا يوجد منطقة في عالم اليوم إلا وأججوا فيها بؤر الصراع فطغت لغة الرصاص والقتل على لغة الحب والجمال والسلام، وعلى لغة الموسيقا، التي هي أم الفنون، فهل هناك من يسعى لاعتمادها  "لغة للسلام"؟

لو سافر أحدنا إلى أي بقعة من بقاع العالم دون أن يعرف التحدث بلغة هذا البلد أو ذاك، أليس بمقدوره، عند سماع أي مقطوعة موسيقية فيه، أن يتأثر بألحانها، إن كان فرحاً أم حزناً، بحسب ما يتم سماعه من ألحان؟ إذاً هذه هي اللغة الحقيقة التي لا تحتاج إلى مترجم، فهي حكماً مترجمة إلى كل اللغات، وما ينتج عنها من أصوات ستؤثر حتماً بكل من يسمعها.

لو عدنا إلى أصل كلمة الموسيقا سنجد أنها ترجع في جذورها إلى اليونانية، كان ينظر إليها في البدايات، بطريقة شبه أسطورية، على أنها فن أَوْحت به مباشرة وخلقته ربة الفن "موزي" "Muse" إذ كان لليونانيين القدامى في البداية ثلاث ربات: ربة الدراسة "العلم" وربة "الذاكرة" وربة "الغناء" ومع مرور الوقت أصبح لكل فن ربة خاصة به وراعية له .

أيضاً أخذت الموسيقا طابعاً مقدساً،  قدسها الهندوس وجعلها القديس أوغسطين الطريق نحو الله.

وفي الكتاب المقدس "التوراة" ورد في " المزامير3 : 148-4" " سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ"

وفي القرآن الكريم:  "يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" فالموسيقا عرفت مع كل الحضارات والديانات التوحيدية، ولقد  صنفها الفلاسفة ضمن قائمة العلوم الأربعة الأساسية وهي: علم الفلك والهندسة والارثيميتيقا والموسيقى ،واستمر ذلك طيلة العصور القديمة والعصر الوسيط

اعتبرها أفلاطون وسيلة المواطن داخل المدينة العادلة وأنها أرفع الفنون، على أساس أن تأثير الإيقاع واللحن في الروح الباطنية للإنسان أقوى من تأثير الفنون الأخرى.

واعتبرها الفارابي لغة رمزية لنقل الأخيلة من عقل إلى آخر.

أما أرسطو فقد عُزي إليه القول بأن "الموسيقى أعذب ما يتمتع به جنس البشر"

وتروي الأساطير اليونانية أيضاً عن انفيون ابن زوس الأخ التوأم لزيتوس أنه قد شيد سور طيبة باستخدام الموسيقا التي كانت تحرك الحجر.

كما أثبتت الدراسات الحديثة أن النباتات والحيوانات تستجيب لنداء الموسيقى، فقد بينت الدراسات العملية أن هناك تأثيرات ملحوظة للأصوات الموسيقية ونغماتها في نمو النباتات بمختلف أنواعها وأجناسها، حتى البقر لوحظ ازدياد حليبها إبان سماعها الموسيقا الكلاسيكية.

وأخيراً فإنه لايخفى على أحد ما للموسيقا من تأثير على النفوس والقلوب والعقول، فمن خلال تردداتها واهتزازاتها تخترق كل الحواجز والسدود، وهي لغة التخاطب مع الذات الإلهية.

واليوم نستطيع العثور على لغة السلام الحقيقي من خلال إحلال لغة الموسيقا في هذا الكون بدلاً من لغة قرع طبول الحرب، ليحل السلام في هذا العالم المشحون بالصراعات والاضطرابات والحروب، وبذلك نعيد الهدوء والطمأنينة إلى النفوس التائهة في عالم بدأ يسوده الظلام بدلاً من النور.