www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 3 تموز, 2024


الدكتور نبيل طعمة يكتب : بيروسترويكا في الغرب

إعادةُ هيكلةٍ تجري في كامل الغرب، بدءاً من صراع حزبي الإدارة الأمريكية الجمهوري والديمقراطي، وصولاً إلى فوز اليمين المتشدد؛ حزب (ماري لوبان) زعيمة حزب " التجمع الوطني" واليساريين، وانهيار حزب (ماكرون) " الجمهورية إلى الأمام" في فرنسا، وفوز العمال الساحق أمام المحافظين برئاسة "سوناك" في بريطانيا، وكذلك فوز حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتشدد والمتطرف في ألمانيا، وقبل كل هؤلاء فوز أحزاب اليمين في إيطاليا؛ حزب "أخوة إيطاليا" وهو حزب يميني متطرف بزعامة "جورجينا ميلوني" وكل هذا يجري ضمن تسارع الأحداث والخوف من الانهيارات السياسية والاجتماعية، والأهم الاقتصادية، فالرئيس الفرنسي (ماكرون) رئيس حزب " الجمهورية إلى الأمام" متخوف من حرب أهلية في فرنسا لأنه انفصل عن واقعه ووصل درجة التخمة، والأمريكان متهيبون من الانفصال والانقسام والعودة إلى الحرب الأهلية، من سيفوز ترامب أم بايدن؟ أم سيكون الاثنان خارج السباق الرئاسي، وسيكون هناك ولادات جديدة تعيد للولايات المتحدة الأمريكية حضورها وتصلح صورتها أمام العالم، بعد أن غدت مهزوزة القرارات وقد فقدت العصا الغليظة التي كانت تمسك بها من المنتصف وتستخدمها من الطرف الذي يتناسب مع مصالحها عندما تريد، هذا مع تراجع أوروبا إلى حد كبير في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى في آسيا نجد  الاضطرابات والإضرابات قد عمت الفكر الاجتماعي الغربي برمته منادية بضرورة التغيير، كيف سيكون شكله ومن سيديره، اليمين المتطرف أم اليسار المتشدد أم القوميون أصحاب الميول إلى النازية القديمة الجديدة، ما هو الشكل القادم لهذا العالم؟ وهل سيكون هناك تعدد قطبي، أم استجابات وتنازلات من الغرب؛ وعلى رأسهم الأمريكي لصالح القوى العظمى الأخرى (الصين وروسيا والقوى الناشئة كوريا الشمالية وايران وجنوب أفريقيا والبرازيل).

وإذا كانت كلمة البيروسترويكا تعني إعادة الهيكلة الاقتصادية التي صاحبت سياسة غلاسنوست؛ التي تعني الشفافية، هاتان السياستان اللتان أدتا إلى فرط عقد منظومة الاتحاد السوفييتي، والتي قادها حينها الرئيس السوفييتي غورباتشوف، بعد أن وصلت التخمة الاقتصادية والسياسية إلى قيادات الاتحاد السوفييتي، فانهار في لحظة كل شيء، دققوا في الكلام القادم من الغرب، ترامب تحدث بالأمس عن انهيار الطبقة الوسطى وعن ضرورة إعادتها من أجل ضمان استمرار الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في  أوروبا الغربية نجد أن الانتفاضات تسير بشكل متسارع، وهي كالجمر تحت الرماد، بدأت قبساتها تنتشر وتتعالى باتجاه التغيير الذي أخذ يشق طريقه بقوة.

نعم وصلت أوروبا وأمريكا إلى التخمة، انفصلت عن مجتمعاتها وأخذت تخاطب عوالمها قبل العوالم الأخرى بفوقية، وكانت سورية، هذا البلد الصغير الكبير بأفكاره وشعبه وقيادته، سباقة في فهم ما يجري منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، عندما طرحت أفكار ربط البحار الخمسة والتعاون الإقليمي للتخلص من سياسات الهيمنة، وقبل ذلك بعقود طرحت موضوع تعريف الإرهاب ووضع قوانين تنال من مموليه وداعميه، هذا البلد الذي تحمل كل أنواع العدوان والإرهاب، هاهو يخرج منها الآن بعزيمة أكبر وقوة تعيد إليه حضوره، قدمت هذا المثال لوضع أسس ترينا الواقع الأممي الذي نمت فيه عقول وأفكار جميع الدول المستهدفة من عالم الغرب، عالم المادة الجشع؛ هذا العالم الذي يحاول من خلال إبداعاته في الليبرالية القديمة والحديثة وأفكاره في العولمة، ومحاولاته فرط عقد الأخلاق؛ الضامن الحقيقي للعقد الاجتماعي، إلا أن تسارع الأحداث في عالم الغرب أخذ يوقف كل شيء فيه، صحيح أنه خلق كل أشكال الفتن ورمى بكل أنواع المحن، واستخدم سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية بعد أن استنفد جميع أسلحة قواه العسكرية، ولم يبق لديه سوى استخدام القوة النووية.

الأمريكي سيد العالم السابق، والذي أؤكد أنه بدأ بمراجعة حضوره العالمي أمام فشله الهائل في إقليمي: الشرق الأوسط ومركزه فلسطين، والشرق الأوسط الأوروبي بين أوروبا وروسيا ومركزه أوكرانيا، وتراجعه في الشرق الأدنى ومركزه تايوان، كل هذا يشير إلى أن العالم انفلت إلى حدٍ خطير، فكل أشكال الحروب السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الدينية والاجتماعية قائمة، فإن لم يُعِد هذا السيد العالمي، ومن يلوذ بفلكه، حساباته وينتفض محدثاً البيروسترويكا، أتنبأ بانهيار هذه المنظومة التي أخذت بالفعل ملامحها تبدو وروائحها تفوح وتنتشر في العالم، هل سيتنبه هذا الغرب الذاهب إلى المجهول إلى أين هو ذاهب ؟ هو الذي يجب أن يعلم، نحن نراقب وعلينا أن نتطور ونتقدم وندعم حصول ذلك من أجل عودة العالم إلى الانتظام.