www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 22 أيار, 2024


الدكتور نبيل طعمة يكتب : الهوية والسيادة

سورية اليوم تشتغل لبناء غدها من حاضرها، تنسج رؤيتها مستندة إلى أن للوطن إنساناً متخصصاً به، مشكلة بذلك وثيقة تضاف إلى تاريخ عراقتها الحضاري المتراكم ثقافياً وروحياً وإبداعياً، وهذا ما يشكل لهذا التاريخ هويته، أو بشكل أدق، يُعتبر من صميم هويته، وبهذا الصميم والتصميم تنجز سورية وحدتها وقوتها وتفاعلها، وخصوصيتها الممتلئة بالعروبة والاعتراف بالآخر، وسورية التي تعرضت، عبر قرون عديدة، لاعتداءات مختلفة، وكانت تخرج منها دائماً قوية منتصرة وراسخة في أذهان أعدائها، تستعد بهدوء وبصمت للخروج من معاركها المختلفة، التي أُسقطت عليها، بعد أن تجاوزت الكثير منها، بسبب رفضها الارتهان للخارج بحكم ثباتها على مواقفها المبدئية، والتي بسببها كانت الاعتداءات الصارخة على سيادتها وهويتها، والتأريخ المدون للتاريخ لن يرحم وهو آت لا محالة، ها هي سورية تعتمد الحوار لأنها تؤمن به، وإن كان يجري بصمت وبعيداً عن أي ضوضاء، وهي بذلك تنجز إيماناً هاماً به، وبأنها ستصل إلى مبتغاها في الداخل والخارج وستخرج أقوى مما كانت عليه بفضل امتلاكها الوعي بأن سيادتها حق وهويتها إيمان.

إن سورية، التي تتحضر الآن لإنجازات ستظهرها الأيام والأسابيع القادمة في تنظيم هيكليتها، تعدّ نفسها لتعديلات هامة وحقيقية وواقعية، سواء أكان على صعيد لبنات قياداتها أو في دستورها وإدراكها لتنظيم علاقاتها مع أشقائها وأصدقائها، تستعد للانطلاق لتعزيز وحدتها الوطنية التي تؤمن بالتعدد والتنوع والحفاظ على حقوق مواطنيها، وبما أنها وطن عصيّ على التشرذم فهي قادرة على الانتقال نحو الأفضل بشكل دائم، وضمن حيز الواقعية المُقنعة التي تدرك أهمية الحوار الداخلي أولاً والحوار الخارجي ثانياً، فالهوية والسيادة تجسدان المطلق غير القابل للنقاش، أما البحث في المسائل الوطنية والسياسية التي تتطلب اختيارات دقيقة ضمن الظروف الصعبة والمركبة التي يشهدها الوطن، داخلياً وخارجياً، فهو الذي يحتاج إلى التنظيم الإداري والقيادي في العلاقات بين أبناء الشعب، لأن مشهد فوضى النظام العالمي يدعو للتفكر في آليات انتظامه، وسورية سباقة دائماً في الاستعداد للتخلص من آثار هذه الفوضى عن طريق الحوار، والضرورة تدعو الآن لتسريع إنجاز وتعميم  مفاهيم الهوية والسيادة، وترسيخها ضمن منظومات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي من خلالها يتم تعزيز المناعة الوطنية بين مجموع مواطنيها، وبها فقط تُنهى كل أشكال اهتزاز الثقة.

الهوية والسيادة دستور وقيم وتقاليد وعادات نبيلة، وتجاوزها يعني الانفلات والتشرذم والتيه والصراع على كل شيء، والكل يعلم أن المكونات التي يمكنها بلورة الهوية الجمعية؛ والتي من أهمها اشتراك الشعب، أو المجموعة، في الأرض واللغة والتاريخ والثقافة، مع احترام اللغات الرديفة للغة الأم، هي التي تجسد الطموح في الحضور بين الدول والأمم، فإذا آمن مجتمع أو شعب بهويته التي تظهره ارتبطت هذه الهوية مباشرة بسيادته التي تمارسها سلطة منظمة وتديرها بشكل فعال، لأن اتحاد الهوية بالسيادة يعني أن هناك دولة حقيقية لها حق السيطرة على الحركة في الداخل، وعبر مرافئها وحدودها المعترف بها، وتنظيم حركة شعبها وحثه على الإنتاج في الزراعة والصناعة  التجارة، وكل ما يتعلق باقتصاد البلاد، وهذا ما يحقق لها الاعتراف الرسمي بسيادة سلطتها على الدولة، بما يندرج ضمن القوانين والأنظمة الدولية.

وفي سياق ما نريد الوصول إليه من أن السيادة تمثل الوجود الجماعي الذي يَنتج عن الإرادة الحرة للشعب الذي يسعى إلى تجسيد الاستقلال الكلي؛ وأقصد هنا السياسي والاقتصادي، مما يعطي الشكل الحقيقي لمفهوم سيادة الدولة على وجودها وبما فيها، فالسيادة حق قانوني للشعوب والدول، وتحت مظلة هذا المفهوم تأخذ الدولة، من خلال سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، مشروعيتها في إدارة شؤون البلاد ومجتمعاتها المتنوعة، وما أؤكد عليه هو أن السيادة الداخلية يجب أن تكون قوية فيما يتعلق بحفظ النظام وتحقيق الأمن والعدل بين الجميع، لأن ضعفها أو إضعافها يؤدي إلى الانفلات وتقوض قيم الوفاق وتشرذم الهوية، وهذا ما حصل عبر عقد سابق من الزمن السوري، فعندما أخذت هذا العنوان، المنتشر الآن بكثرة، أردت أن نسرّع دعم هذا المفهوم وتحويله إلى أدبيات وتربية وأخلاق، وكلما امتلكنا نواصيه حققنا ما نصبوا إليه.

د. نبيل طعمة