www.parliament.gov.sy
الأحد, 19 أيار, 2024


عضو مجلس الشعب جويدة ثلجة تكتب :فوضى ورتابة

كلمتان متناقضتان، الأولى عكس الثانية وتشكل تضاداً معها، وفي المعجم جاء أن معنى الهمجية هو الانفلات والانحلال، وفي اليونانية تعني العشوائية وهي عكس لفظة " Cosmos" التي تعني النظام الكوني، أما كلمة الرتابة، وهي كلمة شائعة الذكر، وتعني المداومة على فعل أو عمل بشكل يومي، ولدى العودة إلى قاموس المعاني لبحث عكس كلمة الفوضى نجد أنها تعني الترتيب، أما إذا أردنا البحث عن معنى هاتين الكلمتين تاريخياً فيتبين لنا ما يلي:

استخدم الفلاسفة الإغريق الأوائل، في فترة ما قبل فلسفة سقراط، مصطلح الفوضى اليوناني عند الحديث عن نشأة الكون، قال هسيودوس: الفوضى هي تلك الفجوة التي نشأت عند انفصال الأرض عن السماء، أول شيء ظهر في الوجود، ومنها وجد ايريبوس ورينكس وغاياوتا وتاروس أنها مكان مظلم يقع أسفل الأرض وفوق رتاورس الذي تستقر عليه الأرض؛ وهو مكان سجن فيه زيوس الجبابرة بعد انتهاء الحرب التي دارت بينهم.

 أما هيروقليطوس فيرى أن الفوضى البدائية هي الأساس الحقيقي الذي بني عليه، أو منه، الواقع والوجود، ومن وجهة نظر أرسطو: فإن الفوضى شيء موجود بشكل مستقل عن الأجسام، وبدونها لا يمكن وجود هذه الأجسام وأنها شيء مادي ملموس, أما أوفيد فيرى أن الفوضى كتلة بلا شكل تتكون من خليط من جميع العناصر.

وإذا عدنا إلى سفر التكوين الذي وصفت فيه الأرض قبل الخلق بالخربة والخالية نجد ما يلي:" وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ" من خلال ما تم ذكره يتبادر سؤال مفاده: هل هناك علاقة تضاد أم تناغم ما بين الفوضى والرتابة؟ وهل تؤمّن الرتابة المستمرة الفوضى؟ وهل تحتاج إلى الفوضى لتصحيح فوضى الرتابة؟  هل الكون فوضوي أم مرتب أم فيه رتابة فوضوية؟ أم فوضوية مرتبة؟ كلها أسئلة تتبادر إلى الذهن في ظل النظريات الحديثة التي منها "نظرية الفوضى" والتي تعتبر من النظريات العلمية التي نفت كلام علماء كانوا يعتقدون بأن الكون يسير بنظام حتمي محكم، وأن الإنسان في المعطيات التي في حوزته يتحكم بالمستقبل، حيث أكدت النظرية بأنك تستطيع التحكم بالأفعال وليس بالنتائج، وبذلك ننفي أن مجموعة الأحداث التي تحدث في الكون هي عشوائية؛ بل هي مترابطة مع بعضها بشكل غامض جداً، تظهر كأنها عشوائية ولكنها في الباطن غير ذلك إطلاقاً.

إن لهذه الفوضى قوانين تحكمها، فهي إذاً فوضى منتظمة، وهناك نظرية تقول: إن درجة الانتظام تبقى ثابتة، وأن العالم يحتوي على الكثير من عدم الانتظام المنتظم، وهذا ما يسمى (الهندسة الكسرية) وإذا عدنا إلى أنفسنا لنسأل السؤال التالي: هل نحن في حالة رتابة أم فوضى؟ وهل ما نجد نحن في داخلنا من موروث وعادات وتقاليد ومعتقدات غُرست فينا رتابة صالحة؟ إنها فوضى الرتابة وهي بحاجة إلى فوضى لنبذ ما هو سيىء منها والعمل على تطوير ما هو جيد لكي تصبح صالحة للبناء، وبذلك تصبح قلوبنا مفتوحة للحب والنور؛ نقوم بنبذ ما هو مهترئ ومخادع وإحلال ما هو حقيقي مكانه.

من خلال ما أوردته أرى أن هناك فوضى ورتابة في آن معاً، فهما بذات المعنى وذات السياق، فكم نحن الآن بحاجة إلى الفوضى كما هي حاجتنا للترتيب، فبدونهما لا يوجد بناء للحياة، كلمتان متناقضتان ومتناغمتان في الوقت نفسه، لا يمكن أن تستغني إحداهما عن الأخرى.

وأخيراً: من هو صاحب هذه الرؤية الكونية العظيمة التي جسدت فكان كل شي؟