www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 8 أيار, 2024


الدكتور نبيل طعمة يكتب : الطابع الإعلامي

لا شك بأنه أحد العناصر الأساسية للحياة في المجتمع، وهو المحرك الضروري لها بالقدر الذي يؤدي فيه دوره المتمثل بإيصال المعارف المتصلة بالأمور الراهنة، وقد عانى الإعلام في السنوات الأخيرة تبدلات كبرى، كمية وكيفية، وأصبح يحتاج إلى التراكم التخصصي الذي يجب أن يرافقه ثقافة سياسية، والسياسة للإعلامي ضرورة في كل ما ينحو إليه أو يحاوره أو يريد التحدث عنه، وإلا فإنه سيبقى يتشابه، إلى حد كبير، مع المسيّس الآني، مما يؤدي إلى إضعاف فكر الإعلام النخبوي الذي يشير إلى مكامن الخطأ بموضوعية، ويثقف ويرشد بعلمية، وينقل الواقع بلا تضخيم، مما يجعل دور وسائل الإعلام الوطنية تنقل المشهد الاجتماعي والاقتصادي، وحتى السياسي والديني، بشكل إصلاحي من خلال تقديمه الرؤى بشكل دقيق وواضح، وموضح لأسباب المشكلات والأزمات، واجتراحه الحلول التي تلفت أنظار المسؤولين إلى الأخذ بها أو، على الأقل، تساعدهم بإمكانيات الحل وتوافره.

إن ما حل بنا من أزمات حملت صفات الكارثية، من الإرهاب المتحرك إلى الحصار الاقتصادي والسياسي الممتلئ بالعقوبات، وهذا ما يجب أن يؤدي إلى التحول من الاستهلاك الهستيري لمفردات لغة الإعلام؛ التي لم تتطور لتواكب ما تحتاجه نظم بناء الدولة وبنيتها القوية في الجوهر، حيث بقيت تعمل على المظهر السلبي حتى وصل الخلل فيه إلى الوعي الوطني، وكأن به يحوله إلى اللاوعي، آخذاً بسواد المجتمع إلى التعلق بالمفاهيم المستوردة، مما أدى إلى خلق شروخ اجتماعية تستحق التوقف عندها ومساءلتها: إلى أين؟ لأن الانطباعات التي ظهرت، ومنذ بدء الحرب، عن الأزمات الناشئة لم تختلف رغم أهمية الإنجازات، ولذلك أقول: ألم يحن الوقت للوقوف وجهاً لوجه أمام المشهد المُتابع من الكل، المحيط القريب والبعيد باستثنائنا.

صحيح أن الإعلام ناقل أمين وناقد محترف ومعترض واضح، وهام في عمليات الجذب والارتقاء، فهو راقٍ في أهدافه وأمين في تجسيد رؤى الدولة والمجتمع، والهدف الرئيس منه أن يجمع ولا يفرق، وأن يكون داعماً للحقوق غير متملق، وأن لا يغلب عليه الطابع الإخباري البسيط واللحظي اللا واعي أو الآني، فإن تحول عن ذلك الخط أوهن المتابع، وكذلك أضعف الإعلام النوعي والاستراتيجي الهادف إلى تقديم المعلومات الدقيقة والتثقيف الوطني الهادف والمرشد إلى الانتماء وتحسين الأداء وتعزيز الهوية وبناء الدولة الوطنية، لذلك أجد أن الطابع الإعلامي يحمل أهم الأدوار التي تتجلى في تشكيل البناء الهندسي للدولة وجمع أطيافها ومتابعة إصلاح الخلل فيها، والذي نراه اليوم من الإعلام صمت متناثر عن جوهر الأزمات مصحوباً بصخب هلوع، تائه بين تحليل حقيقة الفساد والتعامل مع الخطوب بعلمية واقعية، فالجبهات مازالت مشتعلة والتداخلات متشابكة والتقدم في المحور "العنوان" أكثر من بطيء، والمواطن على جغرافيتنا إما قلق أو حائر أو حزين حيال مستقبله ومستقبل بلاده، مقارناً بين فترات الاستقرار، وكيف ينتقل من بين كل هذا الانفلات لتحقيق ظروف الانتعاش، وإذا حدث كيف يحوله إلى مستدام.

هل يرشد الإعلام المتلقي إلى نظم الإدراك العقلي بإرادة إخراجه من تبعية القطيع الاجتماعي إلى العلاقة الحقوقية والواجبات المطورة لحضوره، والابتعاد عن التقليد الأعمى والنقد الهدام والاعتراض بدون وعي، أليس من المفترض تهيئة محللين واقعيين متمكنين ومتمرسين وفاهمين لمجريات الأحداث والأزمات بتنوعاتها، وأن يكون لكل اختصاصه بدلاً من  حالات التشتت والضياع والاجترار الذي يهدر الوقت ويتلاعب بالأعصاب، مما يشكل نفوراً من الشاشات وذهاباً إلى الوسائط الأسرع، حتى وإن كانت تحمل لغة تكاذب وخداع، فما يُتابع منها يروج للتضخيم والتعظيم الأجوف بما يحمله من غموض ووهم وإشاعات حالمة، إضافة إلى التشدق مع التملق الذي تغيب عنه الرؤى الواقعية والواضحة والمتزنة؛ التي ينبغي التركيز عليها ودعمها على محاور السياسة والاقتصاد والمجتمع.

من كل ذلك أجد أنه لابد من انتقال الطابع الإعلامي من حالة الاكتفاء بالنقل إلى حالة الإرشاد والتثقيف والبحث والاستنتاج ليغدو دوره أرقى وأوسع، وقدراته أفضل وأكثر واقعية في نقد الواقع بكل أشكاله، ومعه يصبح قادراً على تقديم الحلول أو الإسهام في إيجادها بدلاً من تبريراته الدائمة بأنه ناقل محترف، ومع الاحترام لهذا، إلا أنه تبرير، والذي يبرر يقع في الخطأ أكثر.      

د. نبيل طعمة